وجدت بخط أبي عمر بن حيويه يقول: حدثنا أبو بكر محمد بن المرزبان، أخبرني أبو جعفر أحمد بن الحارث، حدثنا أبو الحسن المدايني عن بعض رجاله قال: حج ابن أبي العنبس الثقفي، فجاور، ومعه ابن ابنه، وإلى جانبهم قوم من آل أبي الحكم مجاورون، وكان الفتى يجلس مجلساً يشرف منه على جارية، فعشقها، فأرسل إليها، فأجابته، فكان يأتيها يتحدث إليها. فلما أراد جده الرحيل جعل الفتى يبكي، فقال له جده: ما يبكيك يا بني، لعلك ذكرت مصر؟ وكانوا من أهل مصر. فقال: نعم! وأنشأ يقول:
يُسائِلُني، غَداةَ البَينِ، جَدّي، ... وَقَد بَلّتْ دُمُوعُ العَينِ نَحرِي:
أمِنْ جَزَعٍ بكَيتَ، ذكَرْتَ مصراً؟ ... فقلتُ: نعم! وَما بي ذكرُ مصرِ
وَلَكِنْ للّتي خَلّفتُ خَلْفي، ... بكَتْ عَيني، وَقَلّ اليَوْمَ صَبرِي
فَمن ذا إن هَلَكتُ وَحانَ يَوْمي ... يُخَبّرُ وَالِدي دَائي وَأمرِي
فَيَحفظَ أهلُ مَكّةَ في هَوَائي، ... وَإنْ كانوا أتوا قَتلي وَضُرّي
قال: وارتحلوا، فلما خرجوا عن أبيات مكة أنشأ يقول:
رَحَلُوا، وكُلّهُمْ يَحِنّ صَبَابَةً ... شَوْقاً إلى مِصْرَ، وَدَارِي بالحَرَمْ
لَيتَ الرّكابَ، غداةَ حَانَ فرَاقُنا، ... كانتْ لحوماً قُسّمَتْ فوْق الوَضَمْ
رَاحُوا سِرَاعاً يُعملِونَ مَطِيّهم ... قُدُماً، وَبتّ مِنَ الصّبابَةِ لم أنمْ
طُوبى لهُمْ يَبغونَ قَصْدَ سَبيلهمْ، ... وَالقَلبُ مُرْتهنٌ ببَيتِ أبي الحَكَمْ
ثم إن الفتى اعتل، واشتدت علته، فلما وردوا أطراف الشام