وكانوا يريدونني على التزويج، فأمتنع، جاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان! قد أحببتك حباً ذهب بنومي وقراري، وأنا أسألك بمقلب القلوب، وأتوسل إليك به أن تتزوج بي. قلت: ألك والد؟ قالت: نعم، فلان الخياط، في موضع كذا وكذا، فراسلت أباها أن يزوجها إياي، ففرح بذلك وأحضر الشهود، فتزوجت بها. فلما دخلت بها وجدتها عوراء عرجاء مشوهة الخلق، فقلت: اللهم لك الحمد على ما قدرته لي.
فكان أهل بيتي يلومونني على ذلك، فأزيدها براً وإكراماً، إلى أن صارت بحيث لا تدعني أخرج من عندها، فتركت حضور المجلس إيثاراً لرضاها، وحفظاً لقلبها، ثم بقيت معها على هذه الحال خمس عشرة سنة، وكأني في بعض أوقاتي على الجمر، وأنا لا أبدي لها شيئاً من ذلك إلى أن ماتت، فما شيء أرجى عندي من حفظي عليها ما كان في قلبها من جهتي.
أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثنا التنوخي، حدثنا أبي، حدثني أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن البختري القاضي الداودي، حدثني أبو الحسن عبد الله بن أحمد، حدثني أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد الداودي قال: كان أبو بكر محمد بن داود وأبو العباس بن سريج، إذا حضرا مجلس القاضي أبي عمر، يعني محمد بن يوسف، لم يجر بين اثنين في ما يتفاوضان أحسن مما يجري بينهما، وكان ابن سريج كثيراً ما يتقدم أبا بكر في الحضور إلى المجلس، فتقدمه في الحضور أبو بكر يوماً، فسأله حدث من الشافعين عن العود الموجب للكفارة في الظهار ما هو؟ فقال: إنه إعادة القول ثانياً، وهو مذهبه، ومذهب داود، فطالبه بالدليل، فشرع فيه،