وأخبرنا أبو بكر الأردستاني أيضاً بمكة على باب الندوة، أخبرنا الحسين بن حبيب المذكر، سمعت أبا الفرج أحمد بن محمد النهاوندي يقول: مررت بدرب أبي خلفن فإذا جماعة وقوف على مجنون، فوقفت فهش إلي، وقال:
اسقِني قَبلَ تَبارِيحِ العَطَشْ، ... إنّ يَوْمي يوْمُ طشٍّ بَعدَ رَشْ.
حُبُّ مَن أهوَاهُ قد أدهَشَني، ... لا خلوْتُ الدهرَ من ذاك الدَّهَشْ.
أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري بقراءتي عليه سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، أخبرنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن أحمد بن الكابت، حدثني عبدوس بن مهدي بالكرج قال: نزل علي بن أبي البغل، عند تقلده الإشراف، على عمال الجبل، فزارته مغنية كان بها لهجاً على قلة إعجابه بالنساء، فلما كانت ليلة، ونحن قعود في البستان نشرب، وقد طلع القمر، هبت ريح عظيمة فقلبت صوانينا التي كان فيها شرابنا، وأقبلت الغلمان يسقوننا، فسكر ابن أبي البغل على ضعف شربه وقام إلى مرقده، وأخذنا معه والمغنية، فلما حصلنا فيه استدعى قدحاً، ولنا مثله، وأنشأ يقول:
مَغمُوسَةٌ في الحُسنِ مَعشُوقَةٌ، ... تَقْتُلُ ذَا اللُّبّ وَتُحْيِيهِ.