الناس وجهاً كأنه ذهب وفضة، فكلمته، فإذا هو عاشق يغلب على عقله حتى يخالط، فأصابه ذلك وأنا عنده، فجعل يقول:
مُتَيَّمٌ قَدْ بَرَاهُ السَّقَمْ، ... كَأنّهُ نِضْوٌ يُقَاسِي الألَمُ.
فما له راحة ولا نوم إلى الصباح.
أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستادني بقراءتي عليه بمكة في المسجد الحرام، حدثنا الحسن بن محمد بن حبيب، سمعت أبا علي الحسن بن محمد الزنجاني الصوفي بأسفرايين، سمعت عبد السعيد المنجوري، سمعت سهلان القاضي يقول: بينا أنا مار في طرقات جبل شورى، وقد مرت علي قافلة عظيمة، إذ بفتى شاب على طريق ذاهب العقل مدهوش عريان، وبين يديه خلقان متمزقة، فقال لي: أين رأيت القافلة؟ قلت: في موضع كذا وكذا. قال: آه من البين، آه من البين، آه من دواعي الحب! قلت: ما دهاك؟ فقال:
شَيّعتُهمْ من حَيثُ لم يَعلَموا، ... وَرُحتُ وَالقَلْبُ بهِمْ مُغْرَمُ.
سَألْتُهُمْ تَسْلِيمَةً مِنْهُمُ ... عَلّي إذْ بَانُوا فَمَا سَلّمُوا.
سَارُوا وَلَمْ يَرْثُوا لمُسْتَهْتَرٍ، ... وَلمْ يُبَالُوا قَلْبَ مَنْ تَيّمُوا.
وَاستَحسَنوا ظُلمي، فمن أجلهم ... أحَبّ قَلبي كُلَّ مَن يَظلِمُ.