خرج إلى المقابر، فاتبعته، فوقف على قبره قائماً يبكي، وينظر إليه والسماء تمطر بالمطر، فما زال واقفاً من وقت الضحى إلى أن غربت الشمس لم يبرح ولم يجلس، ويده على خده، فانصرفت عنه، وهو كذلك واقفاً، فلما كان من الغد خرجت لأعرف خبره، وما كان من أمره، فصرت إلى القبر، فإذا هو مكبوب لوجهه ميت، فدعوت من كان بالحضرة فأعانوني على حمله، فغسلته وكفنته في ثيابه ودفنته إلى جانب القبر.
وأخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بمصر أيضاً بإسناده قال:
قال أبو حمزة: ونظر محمد بن عبيد الله بن الأشعث الدمشقي، وكان من خيار عباد الله، إلى غلام جميل فغشي عليه، فحمل إلى منزله، واعتاده السقم حتى أقعد من رجليه، فكان لا يقوم عليهما زمناً طويلاً، فكنا نأتيه ونعوده، ونسأله عن حاله وأمره، وكان لا يخبرنا بقصته ولا بسبب مرضه، وكان الناس يتحدثون بحديث نظره، فبلغ ذلك الغلام، فأتاه عائداً، فهش إليه وتحرك وضحك في وجهه، واستبشر برؤيته، فما زال يعوده حتى قام على رجليه، وعاد إلى حالته. فسأله الغلام يوماً المصير إليه معه إلى منزله، فأبى أن يفعل، فكلمني أن أسأله أن يتحول إليه، فسألته، فأبى، فقلت: وما الذي تكره من ذلك؟ فقال: لست بمعصوم من البلاء، ولا آمن من الفتنة، وأخاف أن تقع علي من الشيطان محنة أو عند ظفر بفرصة فتجري بيني وبينه معصية فيحتجب الله عني يوم تظهر فيه الأسرار ويكشف فيه عن ساقٍ فأكون من الخاسرين.