أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس ابن حيويه الخزاز قراءة عليه قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني قاسم بن الحسن عن العمري قال: قال الهيثم بن عدي: حدثنا عثمان بن عمارة عن أشياخهم من بني مرة قال: رحل رجل منا إلى ناحية الشام مما يلي تيماء والشراة في طلب بغية له، فإذا هو بخيمة قد رفعت له، وقد أصابه مطر، فعدل إليها، فتنحنح، فإذا امرأة قد كلمته، فقالت له: انزل، فنزل وراحت إبلهم وغنمهم فإذا أمر عظيم وإذا رعاء كثير، فقالت لبعض العبيد سلوا هذا الرجل من أين أقبل؟ فقلت: من ناحية اليمامة ونجد. فقالت: أي بلاد نجد وطئت؟ قلت: كلها. قالت: بمن نزلت هنا؟ قلت: ببني عامرٍ، فتنفست الصعداء، وقالت: بأي بني عامر؟ فقلت: ببني الحريش. فاستعبرت، ثم قالت: هل سمعت بذكر فتى يقال له قيس ويلقب بالمجنون؟ فقلت، إي والله، ونزلت بأبيه، وأتيته حتى نظرت إليه، يهيم في تلك الفيافي، ويكون مع الوحش لا يعقل ولا يفهم إلا أن تذكر له ليلى فيبكي، وينشد أشعاراً يقولها فيها.
قال: فرفعت الستر بيني وبينها، فإذا شقة قمرٍ لم تر عيني مثلها، فبكت وانتحبت حتى ظننت، والله، أن قبلها قد انصدع، فقلت لها: أيتها المرأة! اتقي الله، فوالله ما قلت بأساً، فمكثت طويلاً على تلك الحال من البكى والنحيب ثم قالت:
ألا لَيْتَ شِعرِي، وَالخُطوبُ كثيرَةٌ، ... متى رَحلُ قيسٍ مُستَقِلٌّ فرَاجِعُ.
بنفسي مَن لا يَستَقِلّ برَحلِه ... ومَن هو، إن لم يحفظ اللهُ، ضائعُ.