أياماً ثلاثةً أو أربعةً حتى ارتحل الحاج، ثم مضينا حتى وصل الفتى إلى أهله، فأدخله مع امرأته وأخته في منزلهما، ومضى إلى بيا، وأخبرها، فكانت كل تجيئه كل يوم فيتحدثان ويشكوان ما كانا فيه من البلاء والوحشة.
واستراب زوجها بغشيانها ذلك البيت، ولم تكن من قبل تغشاه، ولا تقرب أهله، واستراب بطيب نفسها، وأنها ليست كما كانت، فخرج في رفقة إلى نجران على أن يغيب عشر ليال، فأقام ليلتين مختفياً في موضع، ثم أقبل راجعاً في الليلة الثالثة، وقد أمنه عمر، وظن أنه قد ذهب فأتاها، ففرشت له بساطاً قدام البيت، فتحدثا ثم غلبهما النوم، وهي مضطجعة على جانب البساط، وعمر على جانبه الآخر، فأقبل الزوج، فوجدهما على تلك الحال، فنظر في وجه عمر، فعرفه فأثبته، وانتبه عمر، فوثب بالسيف فزعاً. فقال له الزوج: ويلك يا عمر ما ينجيني منك بر ولا بحر.
فقال عمر: يا ابن عمي! ما نا على ريبةٍ، وما يسائلني الله تعالى عن أهلك عن قبيح قط، ولكن نشأت أنا وهي فألفتها وألفتني، ونحن صبيان، فلست أعطى عنها صبراً، وما بيننا شيء أكثر من هذا الحديث الذي ترى.
قال له الزوج: أما أنا فلم أهرب إلى هذه البلاد إلا منك، فأما بعد ان صح عندي من عفتك وصدق قولك فإني لا أهرب منك أبداً.
فأقاموا سنواتٍ، وهم على تلك الحال، فمات عمر وجداً بها، فكانت تبكي عليه الدماء، فضلاً عن الدموع، ثم مات دهيم بعد ذلك وعمرت هي.