ثم قالت الثانية:
ذَهَبَ الزّمَانُ بِأُنْسِ نفسي عَنوَةً، ... وبَقيتُ فَرْداً ليسَ لي من مُؤنِسِ.
أودى بمَلْكَ ولَوْ تُفادى نفسُهَا، ... لَفَدَيتُها ممن أُعِزّ بِأنْفُسِ.
ظَلّتْ تُكَلّمني كَلاماً مُطْعِماً، ... لم أسترِبْ فيه بشيءٍ مُؤيِسِ.
حتى إذا فَترَ اللّسانُ وأصْبَحَتْ ... للمَوْتِ قَد ذَبُلَتْ ذُبولَ النَّرْجِسِ.
وتَسَهّلَتْ مِنْهَا مَحَاسِنُ وَجْهِهَا، ... وَعَلا الأنِينُ تحثّهُ بِتَنَفّسِ.
جَعَلَ الرّجاءُ مَطامِعي يأساً كمَا ... قَطَعَ الرّجاءُ صَحِيفَةَ المُتَلَمّسِ.
ثم قالت الثالثة:
جَرَتْ على عَهدِها الليالي، ... وَأُحْدِثَتْ بَعدَها أُمورُ.
فاعتضْتُ باليأس منكِ صَبراً، ... فاعتَدَلَ اليأسُ والسرُورُ.
فَلَستُ أرجو، ولستُ أخشى ... ما أحدَثَتْ بَعدكِ الدهورُ.
فَليبلُغِ الدهرُ في مَساتي، ... فَما عَسى جُهْدُه يَضِيرُ.
ثم قالت الرابعة:
عِلْقٌ نَفِيسٌ من الدنيَا فُجِعتُ به، ... أفضى إلَيه الرَّدى في حَوْمةِ القَدَرِ.
وَيحَ المَنايا أمَا تَنْفَكّ أسهُمُها ... معَلَّقاتٍ بِصَدرِ القوْسِ والوَتَرِ.
يَبلى الجديدان، والأيّام بالِيَةٌ، ... والدهرُ يَبلى، وتَبلى جِدّةُ الحَجَرِ.
ثم قمن فقلن بصوتٍ واحد: