عنها فقال: "للنابغة، وقد يقال لأمية"1.
ونجب أن نلحظ أن الشعر في هذين المثلين -وفي كثير من الأمثلة غيرهما- نُسب إلى شعراء جاهليين، وأن الخلاف في نسبته لم يخرجه عن نطاق الشعر الجاهلي. فجاهلية هذا الشعر إذن ثابتة لا شك فيها عند هؤلاء الرواة العلماء، وإن كانوا اختلفوا في الشاعر الجاهلي نفسه -ربما لاختلاف المصادر التي استقى منها كل راوية منهم نسبة الشعر- وقد كان هؤلاء الرواة العلماء، لطول تمرسهم بالشعر الجاهلي ومدارستهم إياه، يعرفون الشعر الجاهلي ويميزونه من الإسلامي بمجرد سماعهم إياه -وإن كانوا يختلفون أحيانًا في نسبته، بل إنهم أحيانًا ليعرفون أنه شعر جاهلي ولكنهم يعجزون عن ذكر الشاعر نفسه، ومثال ذلك ما رُوي من أن حمادًا أنشد بلال بن أبي بردة شعرًا مدحه به، فقال بلال لذي الرمة: كيف ترى هذا الشعر؟ قال ذو الرمة: جيدًا وليس له. قال بلال: فمن يقوله؟ قال: لا أدري إلا أنه لم يقله ... فلما قضى بلال حوائج حماد وأجازه قال له: أنت قلت ذلك الشعر؟ قال: لا. قال: فمن يقوله؟ قال: بعض شعراء الجاهلية وهو شعر قديم وما يرويه غيري. قال: فمن أين علم ذو الرمة أنه ليس من قولك؟ قال: عرف كلام أهل الجاهلية من كلام أهل الإسلام2.
وكانوا أحيانًا -حينما يطمئنون إلى أن الشعر جاهلي- ينسبونه إلى شاعر بعينه، وربما كان ذلك لأنهم عرفوا أن هذا الشعر أقرب إلى روح ذلك الشاعر لكثرة ما درسوه وعرفوه، وعلى هذا الضوء نستطيع أن نفسر بعض الروايات التي قد يُفهم منها الاتهام بالوضع أو الرمي بالكذب، في حين لا وضع ولا كذب إذا فهمناها على ما قدمنا. فمن ذلك أن حمادًا جاءه أعرابي فأنشده قصيدة لم يدر لمن هي. فقال حماد: اكتبوها، فلما كتبوها وقام الأعرابي، قال حماد: لمن ترون أن نجعلها؟ فقالوا أقوالًا، فقال حماد: اجعلوها لطرفة3. وقال