وأوفر علمًا من عصر الإلياذة والأوديسة من مثل إنيادة فرجيل، والفردوس المفقود لملتون، من جانب ثالث.

ولم يعتسف جلة هؤلاء الدارسين سبيل تلك الموازنات اعتسافًا، وإنما صدروا عن بينة، وأقدموا على بصيرة، ومضوا يقظين متنبهين، مدركين أنهم بهذه الموازنات لا يصح أن ينخدعوا بالمشابه الظاهرة والوشائج الواضحة، بل لا بد لهم من أن يتنبهوا لوجوه الخلاف ومناحي الافتراق. فهم يوضحون، فيما يوضحون، الخلاف بين ملحمتي هومر والملحمتين الهنديتين في الوحدة والاتساق اللذين ينتظمان الأوليين ويفتقدان في الأخريين، والخلاف بين ملحمتي هومر والأغاني الشعبية في الخطة والنسق والنظام، والخلاف بينهما وبين الملاحم التالية في مظاهر العصر وما يتبع هذه المظاهر من مصادر علمية وفنية نهل منها شعراء الملاحم التالية وتأثروا بها، ولم ينل منها ناظم الإلياذة والأودية نصيبًا. وهؤلاء الدارسون يرتبون على هذا الخلاف والافتراق من النتائج ما يعصمهم في أحيان كثيرة من الانخداع بما للتشابه الظاهري من بريق مُغرٍ. ومع هذه الحيطة والحذر البالغين نرى دارسًا من ثقات المتخصصين في دراسة هومر لعهدنا هذا، هو الأستاذ سيسيل موريس باورا، يعتذر لنفسه بقوله1: "إن المقابلة واستخراج وجوه الشبه بين الأشياء وسيلة موحية ملهمة ولكنها خادعة مضللة، وأنا مدرك أنها قد تكون خدعتني وضللتني".

وبعد، فسأعرض في هذه الصفحات بعض وجوه الشبه بين الشعر العربي الجاهلي والشعر الإغريقي القديم، وسأخلص من هذا العرض الموجز إلى الحديث عن ثلاث نقاط تتصل اتصالًا وثيقًا بما قدمت وما سأقدم من حديث عن الشعر الجاهلي ومصادره. أولاها: من نظم الإلياذة والأوديسة وصحة نسبتهما إلى هومر؟ والثانية: وسيلة حفظ الشعر الهومري، أكانت الرواية الشفهية أم الكتابة؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015