إن لكم في المعاريض لمندوحة عن الكذب".1 وقال روح بن عبادة2: كنت عند شعبة، فضجر من الحديث، فرمى بطرفه، فرأى أبا زيد سعيد بن أوس في أخريات الناس فقال: يا أبا زيد:

واستعجمت دار مي ما تكلمنا ... والدار لو كلمتنا ذات أخبار

إلي يا أبا زيد. فجعلا يتناشدان الأشعار. فقال بعض أصحاب الحديث لشعبة: يا أبا بسطام نقطع إليك ظهور الإبل لنسمع منك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فتدعنا وتقبل على الأشعار!! قال: فرأيت شعبة قد غضب غضبًا شديدًا ثم قال: يا هؤلاء، أنا أعلم بالأصلح لي، أنا والذي لا إله إلا هو في هذا أسلم مني في ذاك.

ومن أجل هذا أيضًا كان الأصمعي يتحرج في تفسير شيء ورد في القرآن الكريم أو الحديث ولذلك "لم يرفع من الحديث إلا أحاديث يسيرة"3.

ونحن نرى من هذه الأخبار الثلاثة الأخيرة أن القوم آنذاك لم يكونوا يرون في رواية الشعر ما يرونه في رواية الحديث، فالشعر آخر الأمر شأن من شئون هذه الدنيا لا يتصل بالدين ولا بشخص الرسول ولا يمت بسبب إلى التشريع. فهم إذن في حل إذا وجدوا فيه سعة يستريحون فيها من عناء التضييق الذي كانوا يأخذون به أنفسهم في الحديث.

فهل نحن إذن على صواب إذا ذهبنا إلى أنه ليس في الرواية الأدبية للشعر الجاهلي والأخبار الجاهلية إسناد متصل؟ لعلنا لا نستطيع أن نقطع في هذا السؤال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015