كتاب كتبه يوسف بن سعد صاحبنا منذ أكثر من مائة سنة"1. فإذا ما أضفنا إلى كلام ابن سلام ما فصلنا فيه القول في البابين الأول والثاني وضح لنا ما في قوله "فلم يؤولوا إلى ديوان مدون ولا كتاب مكتوب" من خلل وفساد.

وأما الشطر الثالث الذي يحتاج إلى فضل بيان يوضحه فهو قوله: "فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب، وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم، ولهت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام، وجاءت الفتوح، واطمأنت العرب بالأمصار، راجعوا رواية الشعر.. وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل. ولا يستبين لنا خطر هذا القول إلا حين نتطرق إلى الحديث عن الشك في الشعر الجاهلي ونحله، في الباب الرابع من هذا الكتاب. ولا بد لنا قبل ذلك من أن نتساءل هنا: أحق أن العرب قد لهوا عن رواية الشعر في هذه الفترة من حياتهم، فغفلوا عنه، ونسوا ذكره، وأضربوا عن روايته؟ وإذا كان ذلك كذلك، فكم من السنين أو من القرون بلغت هذه الفترة؟ ثم أمن الحق أنهم حينما راجعوا روايته -إذا سلمنا بانقطاعهم عنها- ألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة لا بد لنا من استقراء تاريخي، نتتبع فيه حياة الرواية عند القوم مبتدئين بالمعالم الواضحة في منتصف القرن الثاني الهجري، ومتدرجين فيها إلى الوراء حتى نصل إلى أقصى ما نستطيع أن نصل إليه من معالم حياة الرواية الأدبية.

فإذا ما بدأنا بعهد بني أمية، وجدنا أن بعض القوم آنذاك كان يرى أن العلماء العارفين بالشعر الجاهلي قد ماتوا. ونحن نحسب أن هذا الضرب من الكلام موجود في كل عصر، وأنه لا يصح أن يحمل محملًا لفظيًّا قاطعًا، وإنما هو ضرب من التحسر على الماضي، وتمجيد القدماء، والإقرار بضعف الحاضر وعجزه إذا ما قيس بالقديم السابق عليه. فأبو عمرو بن العلاء حينما سئل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015