يظنّ المنجّم، أو صاحب خط الرمل، أو نحو هذا شيئًا مما يقع في المستقبل، فيقع على ما ظنّه، فيكون ذلك ظنّا صادقًا، إذا كان عن موجب عاديّ، يقتضي ذلك الظنّ، وليس بعلم، فيُفهم هذا منه، فإنه موضع غَلِطَ بسببه رجالٌ، وأُكلت به أموالٌ.

[ثم اعلم]: أن أخذ الأجرة، والْجُعْل، وإعطائها على ادّعاء علم الغيب، أو ظنّه لا يجوز بالإجماع، على ما حكاه أبو عمر ابن عبد البرّ رحمه الله. انتهى (?).

وقال في "الفتح": وجاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: أُوتي نبيكم -صلى الله عليه وسلم- علم كل شيء، سوى هذه الخمس. وعن ابن عمر مرفوعًا نحوه، أخرجهما أحمد. وأخرج حميد بن زنجويه، عن بعض الصحابة، أنه ذُكر العلم بوقت الكسوف قبل ظهوره، فأنكر عليه، فقال: إنما الغيب خمس، وتلا هذه الآية، وما عدا ذلك غيب، يعلمه قوم، ويجهله قوم.

(لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّه) أي لا يعلم تلك الخمس إلا الله سبحانه وتعالى. قال الطيبيّ رحمه الله: فيه إشارة إلى إبطال الكهانة والنجامة وما شاكلها، قال لبيد [من الطويل]:

لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِي الضَّوَارِبُ بِالْحَصَى ... وَلَا زَاجِرَاتُ الطَّيْرِ مَا اللَّهُ صَانِعُ

وإرشاد للأمة، وتحذير لهم عن إتيان من يَدّعي علم الغيب، فإذًا الجواب من الأسلوب الحكيم، أجاب عن سؤاله في ضمن أشياء مهمّة، لا بدّ من بيانها إرشادًا للأمّة، وتنبيهًا للمعلم عليها، كأنه قيل: سؤالك يقتضي أن لا يُقتَصَر على جواب واحد، بل يُجاب مع هذه الأمور المهمّة، فإن اهتمامها كاهتمامه.

أو يقال: كان يجب عليك أيها المعلّم أن لا تقتصر على سؤال واحد، بل تسأل عن هذه الأشياء المهمّة.

[فإن قيل]: أليس إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن أمارات الساعة من قبيل قوله: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}؟ [لقمان: 43].

[قلت]: إذا أَظهَر بعضُ المرتضَينَ من عباده بعض ما كوشف له من الغيوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015