محمدا بالحق، ما كنت بأعلم به من رجل منكم، وإنه لجبريل"، وفي حديث أبي عامر: "ثم وَلَّى، فلما لم نر طريقه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: سبحان الله، هذا جبريل، جاء ليعلم الناس دينهم، والذي نفس محمد بيده، ما جاءني قط، إلا وأنا أعرفه إلا أن تكون هذه المرة"، وفي رواية سليمان التيمي: "ثم نَهَض، فوَلَّى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "علي بالرجل"، فطلبناه كل مطلب، فلم نقدر عليه، فقال: "هل تدرون من هذا؟ هذا جبريل، أتاكم ليعلمكم دينكم، خذوا عنه، فوالذي نفسي بيده، ما شُبِّه عليّ منذ أتاني، قبل مرتي هذه، وما عرفته حتى وَلَّى"، قال ابن حبان تفرد سليمان التيمي بقوله: "خذوا عنه".
قال الحافظ: وهو من الثقات الأثبات، وفي قوله: "جاء ليعلم الناس دينهم": إشارة إلى هذه الزيادة، فما تفرد إلا بالتصريح، وإسناد التعليم إلى جبريل مجازيّ؛ لأنه كان السبب في الجواب، فلذلك أمر بالأخذ عنه.
واتفقت هذه الروايات على أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أخبر الصحابة بشأنه، بعد أن التمسوه، فلم يجدوه، وأما ما وقع عند مسلم، وغيره، من حديث عُمَر -رضي الله عنه -رواية كهمس: "ثم انطلق، قال عمر: فلبثت، ثم قال: يا عمر، أتدري من السائل؟، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل".
فقد جَمَع بين الروايتين بعضُ الشراح بأن قوله: "فلبثت مليّا": أي زمانا بعد انصرافه، فكأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعلمهم بذلك، بعد مضيّ وقت، ولكنه في ذلك المجلس، لكن يَعكُر على هذا الجمع قوله في رواية النسائي، والترمذي: "فلبثت ثلاثا"، لكن ادَّعَى بعضهم فيها التصحيف، وأن "مليا" صُغّرت ميمها، فاشبهت "ثلاثا"، لأنها تكتب بلا ألف، وهذه الدعوى مردودة، فإن في رواية أبي عوانة: فلبثنا ليالي، فلقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بعد ثلاث"، ولابن حبان: "بعد ثالثة"، ولابن منده: "بعد ثلاثة أيام".
وجمع النووي بين الحديثين بأن عمر، لم يحضر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، في المجلس، بل كان ممن قام، إما مع الذين توجهوا في طلب الرجل، أو لشغل آخر، ولم يرجع مع من رجع؛ لعارض عَرَض له، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحاضرين في الحال، ولم يتفق الإخبار لعمر، إلا بعد