واتخاذهم القصور في الأمصار".
وقال القرطبيّ: وقد وصفهم في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بأنهم صمّ بُكم، عُميٌ، ويعني بذلك -والله تعالى أعلم- أنهم جَهَلةٌ رعاع، لم يستعملوا أسماعهم، ولا كلامهم في علم، ولا في شيء من أمر دينهم، وهذا نحو قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 171] أطلق ذلك عليهم، مع أنهم كانت لهم أسماع، وأبصارٌ، ولكنهم لمّا لم تحصُل لهم ثمرات تلك الإدراكات، صاروا كأنهم عَدِموا أصلها، وقد أوضح هذا المعنى قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].
قال: ومقصود هذا الحديث: الإخبارُ عن تبدل الحال، وتغيّره، بأن يستولى أهل البادية الذين هذه صفاتهم على أهل الحاضرة، ويتملكوا بالقهر والغلبة، فتكثر أموالهم، وتتسع في حُطام الدنيا آمالهم، فتنصرف هممهم إلى تشييد المباني، وهدم الدين، وشريف المعاني، وأن ذلك إذا وُجد، كان من أشراط الساعة، ويؤيد هذا ما ذُكر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تقوم الساعة، حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لُكَع ابن لُكَع"، ومنه الحديث الآخر، ومنه: "إذا وُسِّد الأمر": أي أُسند- "إلى غير أهله، فانتظروا الساعة"، وهو في الصحيح، وقد شُوهد هذا كلّه عيانًا في هذا الزمان، فكان ذلك على صدق رسول الله، وعلى قرب الساعة، حجةً، وبرهانًا. انتهى كلام القرطبيّ ببعض تصرّف (?).
(يَتَطَاوَلُونَ في البناء) أي يتفاخرون في تطويل البناء، ويتكاثرون به.
(قَالَ) الظاهر أن الضمير لابن عمر رضي الله عنهما (ثم قال) أي عُمَرُ بن الخطّاب -رضي الله عنه- (فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ ثَلَاثٍ) أي بعد ثلاث ليال.
وفي رواية النسائيّ: "قال عمر: فلبثت ثلاثًا"، وهو بكسر الباء الموحّدة: أي