"الفتح". وسيأتي تمام البحث في هذا في "كتاب الصيام" -إن شاء الله تعالى- وبالله تعالى التوفيق.
(وَحَجُّ الْبَيْتِ) الحجّ: هو القصد المتكرّر في اللغة، قال الشاعر [من الطويل]:
وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ المُزَعْفَرَا
وهو في الشرع: القصد إلما بيت الله المعظّم؛ لفعل عبادة مخصوصة، والحجّ بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم، وقُرىء بهما: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} الآية [آل عمران: 97].
[تنبيه]: زاد في رواية مسلم وغيره: "إن استطعت إليه سبيلًا" والاستطاعة: هي القوّة على الشيء، والتمكّن منه، ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97]. وسيأتي بيان كلّ ذلك مستوفًى في محلّه من "كتاب المناسك " -إن شاء الله تعالى- وبالله تعالى التوفيق.
[تنبيه آخر]: قد اختلف الرواة في ذكر الحجّ هنا، فمنهم من ذكره، ومنهم من أسقطه، إما غفلة، أو نسيانًا.
قال في "الفتح": [فإن قيل]: لم لم يذكر الحج؟ أجاب بعضهم باحتمال أنه لم يكن فُرِض. وهو مردود بما رواه ابن منده في "كتاب الإيمان" بإسناده الذي على شرط مسلم، من طريق سليمان التيمي، في حديث عمر -رضي الله عنه- أوله: أن رجلا في آخر عمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذكر الحديث بطوله، وآخر عمره -صلى الله عليه وسلم- يحتمل أن يكون بعد حجة الوداع، فأنها آخر سفراته، ثم بعد قدومه بقليل، دون ثلاثة أشهر مات، وكأنه إنما جاء بعد إنزال جميع الأحكام، لتقرير أمور الدين التي بَلّغها متفرقة، في مجلس واحد؛ لتنضبط. ويُستنبط منه جواز سؤال العالم، ما لا يجهله السائل؛ ليعلمه السامع.
وأما الحج فقد ذُكِر لكن بعض الرواة إما ذَهِل عنه، وإما نسيه، والدليل على ذلك اختلافهم في ذكر بعض الأعمال دون بعض، ففي رواية كهمس: "وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا"، وكذا في حديث أنس، وفي رواية عطاء الخراساني لم يذكر