9 - (ومنها): أنه استُدل به على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجتهد في الأحكام؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولو قلت: نعم لوجبت". وأجاب من منع باحتمال أن يكون أوحي إليه ذلك في الحال.
10 - (ومنها): أنه استُدل به على أن جميع الأشياء على الإباحة، حتى يثبت المنع من قبل الشارع.
11 - (ومنها): أنه استُدل به على النهي عن كثرة المسائل، والتعمق في ذلك، قال البغوي في "شرح السنة": المسائل على وجهين: [أحدهما]: ما كان على وجه المّعلم لما يحتاج إليه من أمر الدين فهو جائز، بل مأمور به؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 7]، وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال، والكلالة، وغيرهما.
[ثانيهما]: ما كان على وجه التعنت والتكلف، وهو المراد في هذا الحديث، والله أعلم. ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك، وذم السلف، فعند أحمد من حديث معاوية -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، نهى عن الأغلوطات، قال الأوزاعي: هي شداد المسائل. وقال الأوزاعي أيضا: إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط، فلقد رأيتهم أقل الناس علما. وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل. وقال ابن العربي: كان النهي عن السؤال في العهد النبوي؛ خشية أن ينزل ما يشق عليهم، فأما بعدُ فقد أمن ذلك، لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع، قال: وإنه لمكروه إن لم يكن حراما إلا للعلماء، فإنهم فرعوا، ومهدوا، فنفع الله من بعدهم بذلك، ولا سيما مع ذهاب العلماء، ودروس العلم. انتهى ملخصا.
وينبغي أن يكون محل الكراهة للعالم إذا شغله ذلك عما هو أَهَمُّ منه، وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجردا عما يندر، ولا سيما في المختصرات؛ ليسهل تناوله. والله المستعان. قاله في "الفتح" 15/ 190 - 192.
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في ذكر ما كتبه الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه "جامع