تصوره في الأمر، بخلاف النهي، فإن تصور العجز فيه محصور في الاضطرار، وزعم بعضهم أن قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} نسخ بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102]، والصحيح أن لا نسخ، بل المراد بحق تقاته امتثال أمره، واجتناب نهيه مع القدرة، لا مع العجز.
5 - (ومنها): أنه استدل به على أن المكروه يجب اجتنابه؛ لعموم الأمر باجتناب المنهي عنه، فشمل الواجب والمندوب. وأجيب بأن قوله: "فاجتنبوه" يُعمل به في الإيجاب والندب بالاعتبارين، ويجيء مثل هذا السؤال وجوابه في الجانب الآخر، وهو الأمر. وقال الفاكهاني: النهي يكون تارة مع المانع من النقيض وهو المحرم، وتارة لا يكون معه وهو المكروه، وظاهر الحديث يتناولهما.
6 - (ومنها): أنه استُدل به على أن المباح ليس مأمورا به؛ لأن التأكيد في الفعل، إنما يناسب الواجب والمندوب وكذا عكسه. وأجيب بأن من قال: المباح مأمور به لم يرد الأمر بمعنى الطلب، وإنما أراد بالمعنى الأعم، وهو الإذن.
7 - (ومنها): أنه استُدلّ به على أن الأمر لا يقتضي التكرار ولا عدمه. وقيل: يقتضيه. وقيل: يتوقف فيما زاد على مرة، وحديث الباب قد يُتمسك به لذلك؛ لما في سببه أن السائل قال في الحج: أكل عام؟ فلو كان مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه، لم يحسن السؤال، ولا العناية بالجواب، وقد يقال: إنما سأل استظهارا واحتياطا. وقال المازري: يحتمل أن يقال: إن التكرار إنما احتمل من جهة أن الحج في اللغة قصد فيه تكرار، فاحتمل عند السائل التكرار من جهة اللغة، لا من صيغة الأمر.
8 - (ومنها): أنه قد تمسك به من قال بإيجاب العمرة؛ لأن الأمر بالحج إذا كان معناه تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق، وقد ثبت في الإجماع أن الحج لا يجب إلا مرة، فيكون العود إليه مرة أخرى دالا على وجوب العمرة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الاستدلال غير واضح، وسيأتي في "كتاب المناسك" أدلة وجوب العمرة، إن شاء الله تعالى.