4 - (ومنها): أنه استدل به على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات؛ لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات، ولو مع المشقة في الترك، وقيد في المأمورات بقدر الطاقة، وهذا منقول عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
[فإن قيل]: إن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضا، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
[فجوابه]: أن الاستطاعة تطلق باعتبارين. قال في "الفتح": كذا قيل، والذي يظهر أن التقييد في الأمر بالاستطاعة، لا يدل على المدعَى من الاعتناء به، بل هو من جهة الكف؛ إذ كل أحد قادر على الكف لولا داعية الشهوة مثلا، فلا يتصور عدم الاستطاعة عن الكف، بل كل مكلف قادر على الترك، بخلاف الفعل، فإن العجز عن تعاطيه محسوس، فمن ثَمَّ قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي.
وعَبّر الطوفي في هذا الموضع بأن ترك المنهي عنه عبارة عن استصحاب حال عدمه، أو الاستمرار على عدمه، وفعل المأمور به عبارة عن إخراجه من العدم إلى الوجود.
وقد نوزع بأن القدرة على استصحاب عدم المنهي عنه قد تتخلف، واستُدِل له بجواز أكل المضطر الميتة. وأجيب بأن النهي في هذا عارضه الإذن بالتناول في تلك الحالة.
وقال ابن فرج في "شرح الأربعين": قوله: "فاجتنبوه" هو على إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه، كأكل الميتة عند الضرورة، وشرب الخمر عند الإكراه، والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر، إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان، كما نطق به القرآن. انتهى. والتحقيق أن المكلف في ذلك كله ليس منهيا في تلك الحال. وأجاب الماوردي بأن الكف عن المعاصي ترك، وهو سهل، وعمل الطاعة فعل وهو يشق، فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر؛ لأنه ترك، والترك لا يعجز المعذور عنه، وأباح ترك العمل بالعذر؛ لأن العمل قد يعجز المعذور عنه.
وادعى بعضهم أن قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، يتناول امتثال المأمور، واجتناب المنهي، وقد قيد بالاستطاعة واستويا، فحينئذ يكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة، في جانب الأمر دون النهي أن العجز يكثر