بأربعين سنة؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحجّ آدم موسى" (?). يعني آدم هو حجّ موسى.
قال الخطيب: وَضَع موسى الملامة في غير موضعها، فصار محجوجًا، وذلك أنه لام آدم على أمر لم يفعله، وهو خروج الناس من الجنّة، وإنما هو فعل الله تعالى، ولو أن موسى لام آدم على خطيئته الوجبة لذلك لكان واضعًا للملامة موضعها، ولكان آدم محجوجًا، وليس أحدٌ ملومًا إلا على ما يفعله، لا على ما تولّد من فعله مما فعله غير، والكافر إنما يُلام على فعل الكفر، لا على دخول النار، والقاتل إنما يُلام على فعله لا على موت مقتوله، ولا على أخذ القصاص منه.
فعلّمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث كيف نسأل عند المحاجّة، وبين لنا أن المحاجة جائزة، وأن من أخطأ موضع السؤال كان محجوجًا، وظهر بذلك قول الله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151].
وليس هذا الحديث الذي ذكرناه من باب إثبات القَدَر في شيء، وإنما هو وارد فيما وصفْنَاه من محاجّة آدم وموسى، وإثبات القدر إنما صحّ في آيات وأحاديث أُخَر.
وعن الشعبيّ، قال: قال عمر لزياد بن حُدير: أتدري ما يَهدِم الإسلام؟. فلا أدري ما أجابه، قال: فقال عمر: زَلّة عالمٍ، وجدالُ منافقٍ، وأئمة مُضلّون". وقد تَحاجّ المهاجرون والأنصار، وحاجّ عبد الله بن عبّاس الخوارج بأمر عليّ بن أبي طالب، وما أَنكَر أحدٌ من الصحابة قطّ الجدال في طلب الحقّ.
وأما التابعون ومن بعدهم، فتوسّعوا في ذلك، فثبت أن الجدال المحمود هو طلب الحقّ ونصره، وإظهار الباطل، وبيان فساده، وأن الخصام بالباطل هو اللدد الذي قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أبعض الرجال إلى الله الألدّ الخصم (?).