بهذا، ولا تُخاصم أحدًا في شيء.
وعن عبد الله الأزديّ قال: حدّثني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون بهذه الرسالة، وقرأها عليّ:
"أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتّباع سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتركِ ما أحدث المُحدِثون في دينهم مما قد كُفُوا مؤونته، وجَرَت فيهم سنته، ثم اعلم أنه لم تكن بدعة قطّ إلا وقد مضى قبلها دليلٌ عليها، فعليك بتقوى الله، ولزوم السنّة، فإنها لك -بإذن الله- عِصمةٌ، وإنما جُعلت السنّة يُستنّ بها، ويُعتمد عليها، وإنما سنّها من علم ما في خلافها من الزلل والخلاف والتعمّق، فارض لنفسك ما رَضُوا لأنفسهم، فإنهم بعلم وقَفُوا، وببصرٍ ما كفّوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضلٍ لو كان فيها أحرى، وإنهم لهم السابقون، فإن كان الهدى ما أحدثتم، وما أنتم عليه لقد سبقتموهم، ولئن قلتم: حَدَثَ حَدَثٌ بعدهم فما أحدثه إلا من اتّبع غير سبيلهم، ورَغِب بنفسه عنهم، وقد وضعوا ما يَكفِي، وتكلّموا بما يَشفِي، فما دونهم مُقَصِّر، ولا فوقهم محسنٌ، وإنهم من ذلك لعلى هدى مستقيم، فارجعوا إلى معالم الهدى، وقولوا كما قالوا، ولا تُفرّقوا بين ما جَمَعوا، ولا تَجمعوا بين ما فرّقوا، فإنهم جُعلوا لكم أئمة وقادة، هم حَمَلُوا إليكم كتاب الله، وسنّة نبيّه -صلى الله عليه وسلم-، فهم على ما حَمَلوا إليكم من ذلك أُمناءُ، وعليكم فيه شُهداء، واحذروا الجدل، فإنه يُقرّبكم إلى كلّ موبقة، ولا يُسْلِمكم إلى ثقة.
فنظرنا في كتاب الله تعالى، وإذا فيه ما يدلّ على الجدال والحِجَاج، فمن ذلك قوله تبارك وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الآية [النحل: 125]، فأمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- في هذه الآية بالجدال، وعلّمه فيها جميع آدابه، من الرفق والبيان والتزام الحقّ والرجوع إلى ما أوجبته الحجة. وقال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الآية [العنكبوت: 46]. وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ في رَبِّهِ} الآية [البقرة: 258]. وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: 123]، وكتاب الله تعالى لا