(المسألة الثالثة): في البحث عما يتعلّق بالجدل:
قد تكلّمتُ فيما سبق في نبذة من معنى الجدل، ووعدت أن أتمّم البحث فيه هنا، فوفاءً بما وعدت أقول:
قال الحافظ أبو بكر الخطيب رحمه الله: أما الجدل، فهو تردّد الكلام بين الخصمين إذا قصد كل واحد منهما إحكام قوله، ليدفع به قول خصمه، وهو مأخوذ من الإحكام، يقال: دِرْعٌ مجدولةٌ، إذا كانت محكمةَ النسج، وحبلٌ مجدُولٌ: إذا كان محُكم الْفَتْل، والجدالة: وجه الأرض إذا كان صلبًا، ولا يصحّ الجدل إلا من اثنين، ويصحّ النظر من واحد، والجدَل كلّه سؤال وجواب، فالسؤال هو الاستخبار، والجواب هو الإخبار.
قال: احتجّ من ذهب إلى إبطال الجدال بقول الله تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ في آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [الشورى: 35]، وبقوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} الآية [آل عمران: 20].
ومن السنّة بحديث أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما ضلّ قوم ... " الحديث (?). وعن الخليل بن أحمد قال: "ما كان جدَلٌ قطّ إلا أتى بعده جدَلٌ يُبطله" (?).
وعن إسحاق بن عيسى الطبّاع قال: رأيت مالك بن أنس يَعيب الجدال والمراء في الدين، قال: أفكلما كان رجلٌ أجدل من رجل أردنا أن يردّ ما جاء به جبريل إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (?).
وعن إسحاق بن عيسى بن الطباع قال: رأيت رجلًا من أهل المغرب جاء مالكًا، فقال: إن هذه الأهواء كثُرت قِبَلنا، فجعلت على نفسي إن أنا رأيتك أن آخذ بما تأمرني، فوصف له مالك شرائع الإسلام: الزكاة، والصلاة، والصوم، والحجّ، ثم قال: خذ