إذا لم يعلموا إلا ما يَعلم الجميع، لكن المتشابه يتنوع، فمنه ما لا يُعلَم البتة، كأمر الروح والساعة، مما استأثر الله بغيبه، وهذا لا يتعاطى علمه أحد، لا ابن عباس ولا غيره.

فمن قال من العلماء الْحُذّاق بأن الراسخين لا يعلمون علم التشابه، فإنما أراد هذا النوع، وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة، ومَنَاحٍ في كلام العرب فيُتَأوّل، ويُعلَم تأويله المسقيم، ويُزال ما فيه مما عسى أن يتعلق من تأويل غير مستقيم، كقوله في عيسى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171] إلى غير ذلك، فلا يُسمّى أحدٌ راسخًا إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيرًا بحسب ما قدر له، وأما من يقول: إن التشابه هو المنسوخ، فيستقيم على قوله إدخال الراسخين في علم التأويل، لكن تخصيصه المتشابهات بهذا غير صحيح. انتهى (?).

وذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى بعد ذكر القولين المتقدّمين: ما نصّه: من العلماء من فَصّلَ هذا المقام، قال التأويل يُطلَق، ويراد به في القرآن معنيان: أحدهما: التأويل بمعنى حقيقة الشيء، وما يؤول أمره إليه، ومنه قوله تعالى: {وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 100]، وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: 53] أي حقيقة ما أُخبِروا به من أمر المعاد، فإن أريد بالتأويل هذا، فالوقف على الجلالة؛ لأن حقائق الأمور، وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله عز وجل، ويكون قوله: {وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] مبتدأ، و {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] خبره.

وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر، وهو التفسير والبيان، والتعبير عن الشيء، كقوله: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: 36] أي بتفسيره، فإن أريد به هذا المعنى، فالوقف على {وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]، لأنهم يعلمون، ويَفهَمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علمًا بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه، وعلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015