فعل فلا يكون حالٌ، ولو جاز ذلك لجاز أن يقال: عبد الله راكبا، بمعنى أقبل عبد الله راكبا، وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل، كقوله: عبد الله يتكلم، يصلح بين الناس، فكان يصلح حالًا، كقول الشاعر -أنشدنيه أبو عمر قال: أنشدنا أبو عباس ثعلب-:
أَرْسَلْتُ فِيهَا قَطِمًا (?) لُكَالِكَا ... يَقْصُرُ يَمْشِي وَيَطُولُ بَارِكَا
أي يقصر ماشيًا. فكان قولُ عامة العلماء، مع مساعدة مذاهب النحويين له أولى من قول مجاهد وحده. وأيضًا فإنه لا يجوز أن ينفي الله سبحانه شيئًا عن الخلق، ويُثبِته لنفسه، ثم يكون له في ذلك شريك، ألا ترى قوله عز وجل: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]، وقوله: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187]، وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه بعلمه (?)، لا يَشركه فيه غيره، كذلك قوله تبارك وتعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]، ولو كانت الواو في قوله: {وَالرَّاسِخُونَ} للنَّسَقِ لم يكن لقوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] فائدة. والله أعلم.
قال القرطبيّ: ما حكاه الخطابي من أنه لم يقل بقول مجاهد غيره، فقد رُوي عن ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله عز وجل، وأنهم داخلون في علم المتشابه، وأنهم مع علمهم به يقولون: آمنا به. وقاله الربيع، ومحمد بن جعفر بن الزبير، والقاسم بن محمد، وغيرهم. و {يَقُولُونَ} على هذا التأويل نَصْبٌ على الحال من الراسخين، كما قال:
الرِّيحُ تَبْكِي شَجْوَهَا ... وَالْبَرْقُ يَلْمَعُ في الْغَمَامَه
وهذ البيت يحتمل المعنيين، فيجوز أن يكون "البرق" مبتدأ، والخبر "يلمع" على