(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في قوله عز وجل: {وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ}: قال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى: اختَلَف العلماء في {وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ} هل هو كلام مقطوع مما قبله، أو هو معطوف على ما قبله، فتكون الواو للجمع، فالذي عليه الأكثر أنه مقطوع مما قبله، وأن الكلام تم عند قوله: {إِلَّا اللَّهُ} هذا قول ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وعروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم، وهو مذهب الكسائيّ، والأخفش، والفراء، وأبي عبيد، وغيرهم. قال أبو نَهِيك الأسدي: إنكم تَصِلُون هذه الآية، وإنها مقطوعة، وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قولهم: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، وقال مثل هذا عمر بن عبد العزيز، وحكى الطبري نحوه عن يونس، عن أشهب، عن مالك بن أنس.

و {يَقُولُونَ} على هذا خبرُ {وَالرَّاسِخُونَ}.

قال الخطابيّ: وقد جعل الله تعالى آيات كتابه الذي أَمَرنا بالإيمان به، والتصديق بما فيه قسمين: محكمًا ومتشابهًا، فقال عز من قائل: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] إلى قوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، فأَعلَمَ أن المتشابه من الكتاب قد استأثر الله بعلمه، فلا يَعلَم تأويله أحد غيره، ثم أثنى الله عز وجل على الراسخين في العلم بأنهم {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}، ولولا صحة الإيمان منهم لم يستحقوا الثناء عليه، ومذهب أكثر العلماء أن الوقف التام في هذه الآية إنما هو عند قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}، وأن ما بعده استئناف كلام آخر، وهو قوله: {وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}. ورُوي ذلك عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وعائشة -رضي الله عنهم-. وإنما رُوي عن مجاهد أنه نَسَقَ {وَالرَّاسِخُونَ} على ما قبله، وزَعَم أنهم يعلمونه، واحتج له بعض أهل اللغة، فقال: معناه: {وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ} يعلمونه قائلين آمنا، وزعم أن موضع {يَقُولُونَ} نَصْبٌ على الحال، وعامة أهل اللغة ينكرونه، ويستبعدونه؛ لأن العرب لا تُضمِر الفعل والمفعول معًا، ولا تَذكُر حالا إلا مع ظهور الفعل، فإذا لم يظهر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015