فإنه باعتبار الرواية التي ذكرها، وهي التي من طريق الزهري. انتهى.
(فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشيءٍ) وفي رواية مسلم "بأمر" (فَخُذُوا مِنْهُ) ولفظ البخاريّ: "فأتوا منه" (مَا اسْتَطَعْتُمْ) أي افعلوا قدر استطاعتكم، ووقع في رواية الزهري عند مسلم: "وما أمرتكم به"، وفي رواية همام عنده: "وإذا أمرتكم بالأمر، فأتمروا ما استطعتم"، وفي رواية محمد بن زياد عند الترمذيّ: "فافعلوا".
(وَإِذَا نَهَيْتكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا"). وفي رواية البخاريّ: "فاجتنبوه"، هكذا رواية المصنّف بتقديم جملة الأمر على جملة النهي، وهو رواية مسلم من طريق الزهريّ، عن ابن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، ووقع في رواية للبخاريّ من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة بتقديم جملة النهي على الأمر، قال الحافظ: ما مختصره: واقتصر النووي في "الأربعين" على رواية الزهريّ المذكورة، وعزا الحديث للبخاري ومسلم فتشاغل بعض شراح "الأربعين" بمناسبة تقديم النهي على ما عداه ولم يعلم أن ذلك من تصرف الرواة، وأن اللفظ الذي أورده البخاري هنا أرجح من حيث الصناعة الحديثية؛ لأنهما اتفقا على إخراج طريق أبي الزناد، دون طريق الزهري، وإن كان سند الزهري مما عُدّ في أصح الأسانيد، فإن سند أبي الزناد أيضا مما عد فيها فاستويا، وزادت رواية أبي الزناد اتفاقَ الشيخين. وظن القاضي تاج الدين في شرح "المختصر" أن الشيخين اتفقا على هذا اللفظ، فقال بعد قول ابن الحاجب: "الندب": أي احتج من قال إن الأمر للندب بقوله: "إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم"، فقال الشارح: رواه البخاري ومسلم، ولفظهما: وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، وهذا إنما هو لفظ مسلم وحده، ولكنه اغتر بما ساقه النووي في "الأربعين".
ثم إن هذا النهي عام في جميع المناهي، ويُستثنى ما يُكرَه المكلف على فعله، كشرب الخمر، وهذا على رأي الجمهور، وخالف قوم، فتمسكوا بالعموم، فقالوا: الإكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها، والصحيح عدم المؤاخذة إذا وُجدت صورة