تحريمه، وعن كثرة السؤال لما فيه غالبا من التعنت، وخشية أن تقع الإجابة بأمر يُستَثقَل، فقد يؤدي لترك الامتثال، فتقع المخالفة. قال ابن فرج: معنى قوله: "ذروني ما تركتكم": لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظهر، ولو كانت صالحة لغيره، كما أن قوله: "حجوا" وإن كان صالحا للتكرار، فينبغي أن يكتفى بما يصدق عليه اللفظ، وهو المرة، فإن الأصل عدم الزيادة، ولا تكثروا التنقيب عن ذلك؛ لأنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل، إذ أُمروا أن يذبحوا البقرة، فلو ذبحوا أي بقرة كانت لامتثلوا، ولكنهم شددوا، فَشُدّد عليهم، وبهذا تظهر مناسبة قوله: "فإنما هلك من كان قبلكم ... " إلى آخره، بقوله: "ذروني ما تركتكم".
وقد أخرج البزار، وابن أبي حاتم في "تفسيره" من طريق أبي رافع، عن أبي هريرة مرفوعًا: "لو اعترض بنو إسرائيل أدنى بقرة، فذبحوها لكفتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم"، وفي السند عباد بن منصور، وحديثه من قبيل الحسن. وأورده الطبري عن ابن عباس موقوفًا، وعن أبي العالية مقطوعا. واستُدل به على أن لا حكم قبل ورود الشرع، وأن الأصل في الأشياء عدم الوجوب. انتهى (?).
(فَإِنَّما هَلَكَ) بفتح اللام ثلاثيّا، وقوله (مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) فاعله (بِسُؤَالهِم) أي بسبب سؤالهم (وَاختِلَافِهِمْ عَلَى أنبِيَائِهِمْ) وفي رواية البخاريّ: "فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم"، قال في "الفتح": قوله: "فإنما أهلك" بفتحات، وقال بعد ذلك: "سؤالهم" بالرفع على أنه فاعل "أهلك"، وفي رواية غير الكشميهني "أُهلك" بضم أوله، وكسر اللام، وقال بعد ذلك "بسؤالهم": أي بسبب سؤالهم. وقوله: "واختلافُهم" بالرفع، وبالجر على الوجهين، ووقع في رواية همام عند أحمد بلفظ: "فإنما هلك" -يعني كرواية المصنّف- وفيه "بسؤالهم"، ويتعين الجر في "واختلافهم"، وفي رواية الزهري: "فإنما أهلك"، وفيه "سؤالهم"، ويتعين الرفع في "واختلافهم". وأما قول النووي في "أربعينه": "واختلافهم" برفع الفاء، لا بكسرها،