الإكراه المعتبرة. واستثنى بعض الشافعية من ذلك الزنا، فقال: لا يتصور الإكراه عليه، وكأنه أراد التمادي فيه، وإلا فلا مانع أن ينعظ (?) الرجل بغير سبب، فيكره على الإيلاج حينئذ، فيولج في الأجنبية، فإن مثل ذلك ليس بمحال، ولو فعله مختارا لكان زانيا، فتُصُوِّر الإكراهُ على الزنا.
واستَدَلَّ به من قال: لا يجوز التداوي بشيء محرم كالخمر، ولا دفع العطش به، ولا إساغة لقمة من غُصَّ به، والصحيح عند الشافعية جواز الثالث؛ حفظا للنفس، فصار كأكل الميتة لمن اضطر، بخلاف التداوي، فإنه ثبت النهي عنه نصا، ففي مسلم عن وائل رفعه: "إنه ليس بدواء، ولكنه داء"، ولأبي داود عن أبي الدرداء رفعه: "ولا تداووا بحرام"، وله عن أم سلمة مرفوعا: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها". وأما العطش فإنه لا ينقطع بشربها، ولأنه في معنى التداوي، والله أعلم.
والتحقيق أن الأمر باجتناب المنهي على عمومه، ما لم يعارضه إذن في ارتكاب منهي، كأكل الميتة للمضطر. وقال الفاكهاني: لا يتصور امتثال اجتناب المنهي حتى يترك جميعه، فلو اجتنب بعضه لم يعد ممتثلا، بخلاف الأمر -يعني المطلق- فإن من أتى بأقل ما يصدق عليه الاسم كان ممتثلا. انتهى ملخصا.
وقد أجاب هنا ابن فرج بأن النهي يقتضي الأمر، فلا يكون ممتثلا لمقتضى النهي حتى لا يفعل واحدا من آحاد ما يتناوله النهي، بخلاف الأمر، فإنه على عكسه، ومن ثَمَّ نشأ الخلاف هل الأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده. قاله في "الفتح" 15/ 189. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.