فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما، إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك، والله أعلم بآبائنا، قال: فسكن غضبه، ونزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}.
وروي أيضا من طريق العوفي عن ابن عباس، في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " أَذَّن في الناس، فقال: "يا قوم كتب عليكم الحج"، فقام رجل، فقال: يا رسول الله أفي كل عام؟ فأغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غضبا شديدا، فقال: "والذي نفسي بيده لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، وإذن لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم، فإذا أمرتكم بشيء فافعلوا، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه"، فأنزل الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، نهاهم أن يسألوا مثل الذي سألت النصارى في المائدة، فأصبحوا بها كافرين، فنهى الله تعالى عن ذلك، ولكن انظروا، فإذا نزل القرآن، فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه (?).
(مَا ترَكْتكُمْ) "ما" مصدريّة ظرفية: أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء، ولا نهي عن شيء. قال في "الفتح" 15/ 188: وإنما غاير بين اللفظين، لأنهم أماتوا الفعل الماضي، واسم الفاعل منهما، واسم مفعولهما، وأثبتوا الفعل المضارع، وهو "يذر"، وفعل الأمر، وهو "ذر"، ومثله "دع"، و"يدع"، ولكن سُمِع "ودع"، كما قرئ به في الشاذ في قوله تعالى: "ما ودعك ربك وما قلى"، قرأ بذلك إبراهيم بن أبي عبلة، وطائفة، وقال الشاعر [من الطويل]:
وَنَحْنُ وَدَعْنَا آلَ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ... فَرَائِسَ أَطْرَافِ المثقَّفَةِ السُّمْرِ
ويحتمل أن يكون ذكر ذلك على سبيل التفنن في العبارة، وإلا لقال: اتركوني.
والمراد بهذا الأمر ترك السؤال عن شيء لم يقع، خشية أن ينزل به وجوبه، أو