الخالص من كلّ مذموم. قال ابن العربيّ: إذا تحرّى الصدق لم يَعص الله، لأنه إن أراد أن يفعل شيئًا من المعاصي خاف أن يقال: أفعلت كذا؟، فإن سكت لم يَأمن الريبة، وإن قال: لا كَذَب، وإن قال: نعم فسق، وسقطت منزلته، وانتُهكت حرمته. انتهى (?).
(وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ) مصداقه في كتاب الله تعالى قوله عز وجل: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] (وَإِنَّهُ) الضمير للشأن، أي إن الشأن والحال (يُقَالُ لِلصَّادِقِ: صَدَقَ وَبَرَّ) أي إذا كان صدق العبد في قوله، وفعله، وُصف بالصدق والبِرّ الذين هما من أشرف الخصال، وأكمل الخِلال، ونعم الوصف وصفه (وَيُقَالُ لِلْكَاذِبِ: كَذَبَ وَفَجَرَ) أي إنه يوصف بما هو من أسوء الأحوال، وأقبح الفعال، وهما الكذب والفجور، وبئس الوصف وصفه (أَلا وَإِنَّ الْعَبْدَ يَكْذِبُ) وفي رواية الشيخين: "وإن الرجل ليكذب"، وفي رواية مسلم: "وما يزال الرجل يكذب، ويتحرّى الكذب". والمراد أنه يتكرّر منه الكذب حتى يستحقّ اسم المبالغة في الكذب، وكذا يقال في الصدق. (حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) زاد في رواية "الصحيح" قبل جملة الكذب: "وإن الرجل ليصدُق، ويتحرّى الصدق، حتى يُكتب عند الله صِدِّيقا".
قال القرطبيّ: معنى "يتحرّى الصدق" يقصد إليه، ويتوخّاه، ويجتنب نقيضه الذي هو الكذب حتى يكون الصدق غالب حاله، فيكتب من جملة الصدِّيقين، ويُثبتُ في ديوانهم، وكذلك القول في الكذب، وأصل الكتب: الضمّ والجمع، ومنه كَتَبْتُ البغلةَ إذا جمعت بين شفريها (?) بحلقة. انتهى (?).
وقال في "الفتح": المراد بالكتابة الحكم عليه بذلك، وإظهاره للمخلوقين من الملأ الأعلى، وإلقاء ذلك في قلوب أهل الأرض، وقد ذكره مالك بلاغًا عن ابن