مسعود -رضي الله عنه-، وزاد فيه زيادة مفيدة، ولفظه: "لا يزال العبد يَكذِب، ويتحرى الكذب، فيُنْكَتُ في قلبه نُكْتَةٌ سوداءُ، حتى يَسْوَدَّ قلبه، فيكتب عند الله من الكاذبين".
قال النووي: قال العلماء: في هذا الحديث حَثّ على تحري الصدق، وهو قصدُهُ، والاعتناءُ به، وعلى التحذير من الكذب، والتساهل فيه، فإنه إذا تساهل فيه كَثُرَ منه، فَيُعرَف به.
قال الحافظ: والتقييد بالتحري وقع في رواية أبي الأحوص، عن منصور عند مسلم، ولفظه: "وإن العبد لَيَتَحَرَّى الصدق"، وكذا قال في الكذب، وعنده أيضا في رواية الأعمش، عن شقيق، وهو أبو وائل، وأوله عنده: "عليكم بالصدق"، وفيه: "وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق"، وقال فيه: "ما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب ... "، فذكره.
قال: وفي هذه الزيادة إشارة إلى أن من تَوَقَّى الكذب بالقصد الصحيح إلى الصدق، صار له الصدق سَجِيّةً حتى يَستحقَّ الوصف به، وكذلك عكسه، وليس المراد أن الحمد والذمّ فيهما يختص بمن يقصد إليهما فقط، وإن كان الصادق في الأصل ممدوحًا، والكاذب مذمومًا.
ثم قال النووي: واعلَم أن الموجود في نسخ البخاري ومسلم في بلادنا وغيرها، أنه ليس في متن الحديث إلا ما ذكرناه، قاله القاضي عياض، وكذا نقله الحميدي، ونقل أبو مسعود عن كتاب مسلم في حديث ابن المثنى وابن بشار زيادة، وهي: إن شر الرَّوَايا رَوَايا الكذب؛ لأن الكذب لا يصلح منه جِدّ ولا هزل، ولا يَعِدُ الرجل صبيه، ثم يُخلِفه".
فذكر أبو مسعود أن مسلما رَوَى هذه الزيادة في كتابه، وذكرها أيضا أبو بكر الْبَرْقاني في هذا الحديث، قال الحميدي: وليست عندنا في كتاب مسلم.
والرَّوَايا جمع رَوِيّة بالتشديد، وهو ما يَتَرَوَّى فيه الإنسان قبل قوله أو فعله، وقيل: هو جمع رَاوية أي للكذب، والهاء للمبالغة (?).