وقد يستعمل الصدق والكذب في كل ما يَحِقُّ ويَحْصُل في الاعتقاد، نحو صَدَقَ ظَنِّي، ويُستعملان في أفعال الجوارج، فيقال: صَدَقَ في القتال إذا وفّى حقّه، وفعلَ ما يجب كما يجبُ، وكَذَبَ في القتال إذا كان بخلاف ذلك، قال الله عز وجل: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الآية [الأحزاب: 23]: أي حقّقوا العهد بما أظهروه من أفعالهم، وقال عز وجل: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} الآية [الأحزاب: 8]: أي يسأل من صدق بلسانه عن صدق فعله تنبيهًا أنه لا يكفي الاعتراف بالحقّ دون تحرّيه بالفعل، وقال عز وجل: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} الآية [الفتح: 27]: فهذا صدق بالفعل، وهو التحقيق: أي حقَّقَ رؤيته، وعلى ذلك قوله عز وجل: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33]: أي حقّق ما أورده قولًا بما تحرّاه فعلًا.
ويُعبّر عن كلّ فعل فاضل ظاهرًا وباطنًا بالصدق، فيُضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به، نحو قوله عز وجل: {في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55]، وعلى هذا قوله عز وجل: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} الآية [يونس: 2]، وقوله عز وجل: {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} الآية [الإسراء: 80]، وقوله عز وجل: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ في الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84]، فإن ذلك سؤال أن يجعله الله تعالى صالحًا، بحيث إذا أثنى عليه مَنْ بَعدَهُ لم يكن ذلك الثناء كذبًا، بل يكون كما قال الشاعر [من الطويل]:
إِذَا نَحْنُ أثنَيْنَا عَلَيْكَ بِصَالِح ... فَأَنْتَ الَّذِي نُثْنِي وَفَوْقَ الَّذِي نُثْنِي
انتهى المقصود من كلام الراغب (?).
(يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ) -بكسر الموحّدة-: أصله التوسّع في فعل الخير، وهو اسم جامعٌ للخيرات كلّها، ويُطلق على العمل الخالص الدائم (?). وقيل: هو العمل الصالح