ضرب: إذا مَزَحَ، يعني أن الكذب لا يجوز في حال الجدّ ولا في حال الهزل، إلا فيما استثناه الشارع، وسيأتي بيانها في المسألة الخامسة -إن شاء الله تعالى-.

(وَلَا يَعِدُ) بكسر العين المهملة مضارع وَعَدَ، ثم يحتمل أن تكون "لا" نافيةً، والفعل بعدها مرفوع، والمراد من النفي النهي، ويحتمل أن تكون ناهيةً، والفعل بعدها مجزم كُسِر للالتقاء الساكنين، وقوله: (الرَّجُلُ) مرفوع على الفاعليّة، وقوله: (صَبِيَّهُ) -أي ولده الصغير- منصوب على المفعولية. وقوله: (ثُمَّ لَا يَفِي لَهُ) مرفوعٌ عطفًا على "لا يَعِدُ"، أو على الاستئناف، ويحتمل نصبه إجراء لـ"ثُمَّ" مجُرى الواو كما هو مذهب الكوفيين، فهو منصوب بـ "أن" مضمرة وجوبًا بعد العاطف الواقع في جواب النفي المحض، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ "فَا" جَوَابِ نَفْي أَوْ طَلَبْ ... مَحْضَيْنِ "أَنْ" وَسَتْرُهُ حَتْمٌ نَصَبْ

والمعنى أنه لا يجوز للرجل أن يَعِدَ الصغيرَ بأن يفعل له شيئًا، ثم لا يفي له بذلك، كأن تقول الأمّ، أو الأب لولدهما الصغير إذا بكا: سأذهب الآن إلى السوق، وأشتري لك الحلواء، ولا يفي بذلك، هذا هو المفهوم من الحديث.

(وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي) بفتح أوله، من الهداية، وهي الدلالة الموصلة إلى المطلوب (إِلَى الْفُجُورِ) بالضمّ مصدر فَجَر يفجُر من باب قعد، يقال: فجر العبد فُجُورًا: إذا فسق، وزنى، وفَجَر الحالف فُجوارًا: إذا كذب. قاله الفيّوميّ (?).

وقال الراغب الأصفهانيّ: أصل الفجر: الشقّ، فالفجور شَقُّ سَتْر الديانة، ويُطلق على الميل إلى الفساد، وعلى الانبعاث في المعاصي، وهو اسم جامع للشرّ. انتهى بتصرّف (?).

وقال السنديّ: قيل: لعلّ الكذب بخاصيّته يُفضي بالإنسان إلى القبائح،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015