تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية [النساء: 48]، وقيل: أطلق عليه الكفر؛ لشبهه به؛ لأن قتال المؤمن من شأن الكافر. وقيل: المراد الكفر اللغويّ، وهو التغطية؛ لأن حقّ المسلم على المسلم أن يُعينه وينصره، ويكفّ عنه أذاه، فلما قاتله كان كأنه غطّى على هذا الحقّ. وسيأتي تمام البحث فيه عند شرح حديث رقم (68) -إن شاء الله تعالى-.
(وَسِبَابُه فُسُوقٌ) يحتمل أن يكون بنصب "سبابه" عطفًا على اسم "إن"، وفسوق عطف على خبرها، ورفع الأول أيضًا عطفا على محلّ اسم "إن"، ويحتمل أن يكون مبتدأ وخبرًا، وإلى ما ذُكر أشار في "الخلاصة" بقوله:
وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفًا عَلَى ... مَنْصُوبِ "إنَّ" بَعْدَ أَنْ تَسْتكْمِلَا
و"السباب" -بكسر السين المهملة، وتخفيف الموحّدة-: وهو السبّ، وقيل: السباب أشدّ من السبّ، إذ هو أن يقول في الرجل ما فيه، وما ليس فيه، يريد بذلك عيبه.
و"الفسوق" -بالضمّ- في اللغة الخروج، وفي الشرع الخروج عن طاعة الله عز وجل ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهو في عرف الشرع أشدّ من العصيان، قال الله عز وجل: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} الآية [الحجرات: 7].
(وَلَا يَحِلُّ) بكسر الحاء المهملة، من باب ضرب (لمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ) بضم الجيم، من باب نصر (أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ): أي فوق ثلاث ليال، وظاهره إباحة ذلك في الثلاث، وهو من الرفق؛ لأن الآدميّ في طبعه الغضب، وسوء الخلق، ونحو ذلك، والغالب أن يزول، أو يَقِلَّ في الثلاث.
قال النووي: قال العلماء: تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص، وتُباح في الثلاث بالمفهوم، وإنما عُفِي عنه في ذلك؛ لأن الآدمي مجبول على الغضب، فسومح بذلك القدر؛ ليرجع ويزول ذلك العارض.
وقال أبو العباس القرطبي: المعتبر ثلاث ليال، حتى لو بدأ بالهجرة في أثناء النهار