وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفْي أَوْ طَلَبْ ... مَحْضَيْنِ "أَنْ" وَسَتْرُهُ حَتْمٌ نَصَبْ

(أَلَا إِنَّ مَا) بكسر همزة "إنّ"؛ لوقوعها بعد "ألا" الاستفتاحيّة التي تدخل على الجملة المستأنفة، كما قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} [البقرة: 13]، و"ما" موصولة مبتدأٌ: أي إن الذي (هُوَ آتٍ قَرِيبٌ) هذا فيه تعليم، وإرشاد لما ينتفع به طويل الأمد (وَإِنَّمَا الْبَعِيدُ مَا لَيْسَ بِآتٍ) أي إن الأمر الذي لا يأتي هو البعيد (أَلا إِنَّمَا الشَّقِيُّ) -بفتح، فكسر- فعيلٌ بمعنى فاعل، من شَقي يَشقَى من باب رَضِي شَقَا بالفتح: ضدّ سَعِدَ، والاسم الشِّقْوة بالكسر، والشَّقَاوة بالفتح (مَنْ شَقِيَ في بَطْنِ أُمِّهِ) أي من كُتب عليه أنه شقيّ حينما كان حملًا في بطن أمه، يعني أن الشقيّ الكامل هو شقيّ الآخرة، وهو من كُتب عليه الشقاء، قبل أن يولد، وأما الشقاء الدنْيويّ فأمره هيّنٌ، وهو بمعنى حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- الآخر المتّفق عليه الآتي للمصنّف برقم (76) قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو الصادق المصدوق قال: "إن أحدكم يُجمَع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيُؤمَر بأربع: برزقه، وأجله، وشقي أو سعيد ... " الحديث. وسيأتي تمام البحث فيه في محلّه -إن شاء الله تعالى-.

وقال السنديّ رحمه الله: قوله: "ألا إنما الشقيّ الخ" أي فعليكم بالتفكّر في ذلك، والبكاء له، وكيف القسوة والضحك مع سبق التقدير في النهاية. والمعنى أن ما قدّر الله تعالى عليه في أصل خلقته أن يكون شقيّا فهو الشقيّ في الحقيقة، لا من عَرَضَ له الشقاء بعد ذلك، وهو إشارة على شقاء الآخرة، لا شقاء الدنيا. انتهى (?).

(وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ) ببناء الفعل للمفعول: أي من وفّقه الله تعالى للاتّعاظ فرأى ما جرى على غيره بسبب المعاصي من العقاب، فتركه خوفًا من أن يناله مثل ما نال غيره.

(أَلَا إِنَّ قِتَالَ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ) قيل: أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير، معتمِدًا على ما تقرّر من القواعد أن مثل ذلك لا يُخرج عن الملَّة، مثل حديث الشفاعة، ومثل قوله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015