وإن أراد بتركها ترك فعل بصفة خاصّة، لم تثبت في السنة، فهذا أمر مسلمٌ، ولكن سياق كلامه يأبى هذا التأويل.
وبالجملة: فلا تترك السنة على الوجه الذي ثبتت به لأجل مثل هذا الخوف، بل ينبه الجاهل، ويبين له ذلك. والله تعالى أعلم.
قال: ومن البدع الإضافيّة التي تقرب من الحقيقيّة أن يكون أصل العبادة مشروعًا إلا أنها تخرج عن أصل مشروعيّتها بغير دليل توهمًا أنها باقية على أصلها تحت مقتضى الدليل، وذلك بأن يقيّد إطلاقها بالرأي، أو يُطلق تقييدها، وبالجملة فتخرج عن حدّها الذي حُدّ لها.
ومثال ذلك أن يقال: إن الصوم في الجملة مندوب إليه لم يخصّه الشارع بوقت دون وقت، ولا حد فيه زمانًا دون زمان، ما عدا ما نهى عن صيامه على الخصوص كالعيدين، أو ندب إليه على الخصوص كعرفة وعاشوراء بقول، فإذا خصّ منه يومًا من الجمعة بعينه، أو أياما من الشهر بأعيانها، لا من جهة ما عيّنه الشارع، فلا شكّ أنه رأي محض بغير دليل، ضاهى به تخصيص الشارع أيامًا بأعيانها دون غيرها، فصار التخصيص من المكلّف بدعةً، إذ هي تشريع بغير مستند.
ومن ذلك تخصيص الأيام الفاضلة بأنواع من العبادات التي لم تُشرع لها تخصيصًا، كتخصيص اليوم الفلانيّ بكذا وكذا من الركعات، أو بصدقة كذا وكذا، أو الليلة الفلانيّة بقيام كذا وكذا ركعةً، أو بختم القرآن فيها، أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك التخصيص والعمل به إذا لم يكن بحكم الوفاق، أو بقصد يَقصِد مثله أهل العقل والفراغ والنشاط، كان تشريعًا زائدًا، وهذا كله إن فرضنا أصل العبادة مشروعًا، فإن كان أصلها غير مشروع فهي بدعة حقيّقية مركبة. انتهى كلام الشاطبيّ (?)، وهو بحث نفيسٌ، وتحقيقٌ أنيسٌ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.