والاستسقاء، وشبه ذلك، فبقي ما سوى ذلك حكمه الإخفاء، فإذا اجتمع في النافلة أن تُلْتَزَمَ التزام السنن الرواتب إما دائمًا، وإما في أوقات محدودة، وعلى وجه محدود، وأُقيمت في الجماعة في المساجد التي تقام فيها الفرائض، أو المواضع التي تقام فيها السنن الرواتب، فذلك ابتداع.

والدليل عليه أنه لم يأت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أصحابه، ولا عن التابعين لهم بإحسان فعلُ هذا المجموع هكذا مجموعًا، وإن أتى مطلقًا، من غير تلك التقييدات، فالتقييد في المطلقات التي لم يثبت بدليل الشرع تقييدها رأي في التشريع، فكيف إذا عارضه الدليل، وهو الأمر بإخفاء النوافل مثلًا؟.

ووجه دخول الابتداع هنا أن كلّ ما واظب عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من النوافل وأظهره في الجماعات فهو سنة، فالعمل بالنافلة التي ليست بسنّة على طريق العمل بالسنّة إخراج للنافلة عن مكانها المخصوص بها شرعًا، ثم يلزم من ذلك اعتقادا العوامّ فيها، ومن لا علم عنده أنها سنّة، وهذا فساد عظيم؛ لأن اعتقاد ما ليس بسنة، والعمل بها على حدّ العمل بالسنّة نحوٌ من تبديل الشريعة، كما لو اعتقد في الفرض أنه ليس بفرض، أو فيما ليس بفرض أنه فرضٌ، ثم عمل على وفق اعتقاده، فإنه فاسدٌ، فهب العملُ في الأصل صحيحًا، فإخراجه عن بابه اعتقادًا وعملًا من باب إفساد الأحكام الشرعيّة، ومن هنا ظهر عذر السلف الصالح في تركهم سننًا لئلا يعتقد الجاهل أنها من الفرائض.

فهذه أمورٌ جائزة، أو مندوب إليها، ولكنهم كرهوا فعلها خوفًا من البدعة؛ لأن اتخاذها سنةً إنما هو بأن يواظب الناس عليها مظهرين لها، وهذا شأن السنة، وإذا جرت مجرى السنن صارت من البدع بلا شكّ.

قال الجامع عفا الله تعالى: هذا الذي قالة الشاطبيّ فيه نظرٌ لا يخفى؛ لأنه إن أراد أن ترك السنة مخافة أن يعتقد الجاهل أنها من الفرائض فهذا مما لا معنى له؛ لأن السنة لا تُترك لمثل هذا الخوف، بل الواجب أن يُبيّن للجاهل ما هو الفرض، وما هي السنة، ولا أظنّه يُثبت النقل بذلك عن أحد من السلف أنهم تركوا السنن لأجل هذا الخوف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015