(المسألة السادسة): في تقسيم البدعة إلى حقيقيّة وإضافيّة:

قال أبو إسحاق الشاطبيّ رحمه الله تعالى: البدعة الحقيقيّة هي التي لم يدلّ عليها دليلٌ شرعيّ، لا من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا استدلال معتبر عند أهل العلم، لا في الجملة، ولا في التفصيل، ولذلك سمّيت بدعةً؛ لأنها شيء مُخترع على غير مثال سابق.

والبدعة الإضافيّة هي التي لها شائبتان:

[إحداهما]: لها من الأدلّة مُتَعلّقٌ، فلا تكون من تلك الجهات بدعة.

[والأخرى]: ليس لها مُتعلَّقٌ إلا مثل ما للبدعة الحقيقيّة. أي إنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين سنة؛ لأنها مستندة إلى دليل، وبالنسبة إلى الجهة الأخرى بدعة؛ لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل، أو غير مستندة إلى شيء.

والفرق بينهما من جهة المعنى: أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم، ومن جهة الكيفيّات، أو الأحوال، أو التفاصيل لم يقُم عليها، مع أنها محتاجة إليه؛ لأن الغالب وقوعها في التعبّديّات، لا في العاديات المحضة.

قال: قد يكون أصل العمل مشروعًا، ولكنه يصير جاريًا مجرى البدعة من باب الذرائع، وبيانه أن العمل يكون مندوبًا إليه مثلًا. فيَعمَل العامل خاصّة نفسه على وضعه الأول من الندبيّة، فلو اقتصر العامل على هذا المقدار لم يكن به بأس، ويجري مجراه إذا دام عليه في خاصيّته غير مظهر له دائمًا، بل إذا أظهره لم يظهره على حكم المتزمات من السنن الرواتب والفرائض اللوازم، فهذا صحيحٌ لا إشكال فيه، وأصله ندب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإخفاء النوافل، والعمل بها في البيوت، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، متّفقٌ عليه. فاقتصر في الإظهار على المكتوبات كما ترى، وإن كان ذلك في مسجده -صلى الله عليه وسلم-، أو في المسجد الحرام، أو في مسجد بيت المقدس، حتى قالوا: إن النافلة في البيت أفضل منها في أحد هذه المساجد الثلاثة بما اقتضاه ظاهر هذا الحديث، وجرى مجرى الفرائض في الإظهار بعض السنن، كالعيدين، والخسوف،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015