عبد الملك بن مروان، فقال: إنا قد جمعنا الناس على أمرين: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد صلاة الصبح والعصر، فقال: أما إنهما أمثلُ بدعتكم عندي، ولست بمجيبكم إلى شيء منها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أحدث قومٌ بدعةً إلا رُفِع مثلها من السنة"، فتمسك بسنّة خير من إحداث بدعة (?). وقد رُوْي عن ابن عمر رضي الله عنهما من قوله نحوُ هذا.
فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "كل بدعة ضلالة" من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" (?).
فكل من أحدث شيئًا، ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يَرجِع إليه، فهو بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة.
وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية، لا الشرعية.
فمن ذلك قول عمر -رضي الله عنه- لمّا جَمَع الناسَ في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك، فقال: نعمت البدعة هذه. ورُوِيَ عنه أنه قال: إن كانت هذه بدعةً فنعمت البدعة. ورُوِيَ عن أُبَيّ بن كعب -رضي الله عنه- قال له: إن هذا لم يكن، فقال عمر -رضي الله عنه-: قد عَلِمتُ، ولكنه حسن.
ومراده أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصولٌ في الشريعة يَرجِعُ إليها: