بالعادات، أو العبادات، فإن تعلّقت بالعبادات فإنما أراد بها أن يأتي تعبّده على أبلغ ما يكون في زعمه ليفوز بأتمّ المراتب في الآخرة في ظنّه، وإن تعلّقت بالعادات فكذلك؛ لأنه إنما وضعها لتأتي أمور دنياه على تمام المصلحة فيها. فمن جعل المناخل في قسم البدع، فظاهر أن التمتّع عنده بلذّة الدقيق المنخول أتمّ منه بغير المنخول، وكذلك البناءات المشيّدة المختلفة التمتّع بها أبلغ منه بالحشوش والخرب، ومثله المصادرات في الأموال بالنسبة إلى أولي الأمر، وقد أباحت الشريعة التوسّع في التصرّفات، فيعُدُّ المبتدع هذا من ذلك.
وقد ظهر بهذا معنى البدعة، وما هي في الشرع -والحمد لله-. انتهى كلام الشاطبّي رحمه الله تعالى، ولقد أجاد وأفاد (?).
وقال الإمام ابن رجب رحمه الله عند شرح قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة": فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة، وأكّد ذلك بقوله: "كلُّ بدعة ضلالة".
والمراد بالبدعة ما أُحدِث مما لا أصل له في الشريعة يَدُلُّ عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعة لغة.
وفي "صحيح مسلم" عن جابر -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في خطبته: "إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة". وأخرجه الترمذي والمصنّف (?) من حديث كثير بن عبد الله المزني، وفيه ضعف، عن أبيه، عن جده، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ابتدع بدعة ضلالة، لا يرضاها الله ولا رسوله، كان عليه مثل آثام من عمل بها، لا يَنقُص ذلك من أوزارهم شيئا".
وأخرج الإمام أحمد من رواية غُضَيف بن الحارث الثُّمَالي، قال: بعث إليّ