ويلزم أن يكون دليل شرعيّ، وليس إلا هذا النوع من الاستدلال، وهو المأخوذ من جملة الشريعة، وإذا ثبت جزئيّ في المصالح المرسلة ثبت مطلق المصالح المرسلة. فعلى هذا لا ينبغي أن يُسمّى علم النحو أو غيره من علوم اللسان، أو علم الأصول، أو ما أشبه ذلك من العلوم الخادمة للشريعة بدعةً أصلًا، ومن سمّاه بدعةً، فإما على المجاز، كما سَمَّى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قيام الناس في رمضان بدعةً، وإما جهلًا بمواقع السنّة والبدعة، فلا يكون قول من قال ذلك معتدّا به، ولا معتمدًا عليه.
وقوله في الحدّ: "تضاهي الشرعيّة" يعني أنها تشابه الطريقة الشرعيّة من غير أن تكون في الحقيقة كذلك، بل هي مضادّة لها من أوجه:
(منها): وضع الحدود، كالناذر للصيام قائمًا لا يقعد، ضاحيًا لا يَستظلّ، والاختصاص في الانقطاع للعبادة، والاقتصار من المأكل والملبس على صنف واحد دون صنف، من غير علّة.
(ومنها): التزام الكيفيّات والهيئات المعيّنة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عيدًا، وما أشبه ذلك.
(ومنها): التزام العبادات المعيّنة في أوقات معيّنة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته.
وثَمَّ أوجهٌ تُضاهي بها البدعةُ الأمورَ المشروعةَ، فلو كانت لا تضاهي الأمور المشروعة لم تكن بدعةً؛ لأنها تصير من باب الأفعال العادية.
وأيضًا فإن صاحب البدعة إنما يَخترعها ليضاهي بها السنّة حتى يكون مُلبِّسًا بها على غيره، أو تكون هي مما تلتبس عليه بالسنة؛ إذ الإنسان لا يقصد الاستتباع بأمر لا يُشابه المشروع؛ لأنه إذ ذاك لا يستجلب به في ذلك الابتداع نفعًا، ولا يدفع به ضررًا، ولا يُجيبه غيره إليه.
ولذلك تجد المبتدع ينتصر لبدعته بأمور تخيّل التشريع، ولو بدعوى الاقتداء بفلان المعروف منصبه في أهل الخير.