تمسّكوا به. و"ما" في الموضعين شرطيّة، أو موصولة مبتدأ، وجوابها، أو خبرها قوله: "فخذوه"، ودخلت الفاء في الخبر؛ لمشابهة "ما" الموصولة للشرطية في العموم، والوجه الأول أولى.

قال السنديّ رحمه الله تعالى: وما في الموضعين شرطية، كما ذكر السيوطيّ هذا الاحتمال؛ لأن الشرطية أظهر معنى، وفي الموصولة يلزم وقوع الجملة الإنشائية خبرًا، وهو مما اختلفوا فيه، وكثير منهم على أنه لا يصحّ إلا بتأويل، بخلاف الشرطية، فإن المحققين على أن خبرها جملة الشرط، لا الجزاء. انتهى.

فقوله: "ما أمرتكم به" يعم أمر الإيجاب، والندب، وقوله: "فَخُذُوهُ" لمطلق الطلب الشامل للوجوب والندب، فينطبق على القسمين، وقيل: هذا مخصوص بأمر الوجوب. وسيأتي مزيد بسط لذلك في شرح الحديث التالي، إن شاء الله تعالى.

[تنبيه]: المراد بالأمر هنا هو الأمر الذي يتعلّق بالدين، وأما ما يتعلق بأمر الدنيا، فليس كذلك؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما جاء لبيان الأمور الدينيّة، لا الأمور الدنيويّة؛ لما أخرجه أحمد، في "مسنده رقم 24399"، ومسلم في "صحيحه"، والمصنّف في "كتاب الأحكام" 2471، كما سيأتي، من حديث عائشة، وأنس رضي الله تعالى عنهما: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مرّ بقوم يُلقّحون، فقال: "لو لم تفعلوا لصلح"، قال: فخرج شِيصًا، فمرّ بهم، فقال: "ما لنخلكم؟ "، قالوا: قلت: كذا وكذا، قال: "أنتم أعلم بأمر دنياكم". ولفظ أحمد في "مسنده"، والمصنّف في "كتاب الأحكام": أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سمع أصواتًا، فقال: "ما هذا الصوت؟ "، قالوا: النخل يُؤبِّرونها، فقال: "لو لم يفعلوا لصلح"، فلم يؤبّروا عامئذ، فصار شِيصًا، وذكروا للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "إن كان شيئًا من أمر دنياكم، فشأنكم به، وإن كان من أمور دينكم فإليّ". فدل هذا النصّ على أن أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الذي يجب امتثاله، والذي جاء التحذير الشديد في قوله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، وقوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015