وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، هو ما كان أمرًا دينيًّا، لا الأمور الدنيوية، فإن الإنسان يُخَيَّر فيها، كما أرشد إليه بقوله: "فشأنكم به"، والله تعالى أعلم.

(وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ) يعم نهي التحريم، والتَّنْزِيه، وكذا الطلب في قوله: (فَانْتَهُوا) أي اتركوه، يعم القسمين. ثم الخطاب، وإن كان للحاضرين، فيعم الغائبين أيضًا؛ لأن رسالته -صلى الله عليه وسلم- للجميع، كما بيّنه الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19].

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الحديث -كما قال الحافظ ابن عساكر في "الأطراف"-: مختصر من الحديث الذي بعده، وسيأتي تمام شرحه، وبيان مسائله هناك، إن شاء الله تعالى.

وهو حديث صحيح.

[فإن قيل]: كيف يصحّ، وفي إسناده شريك القاضي، وهو متكلم فيه، كما سبق في ترجمته؟.

[أجيب]: بأنه لم ينفرد به، بل تابعه عليه جرير بن عبد الحميد، كما سيأتي في الحديث الذي بعده، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

وبالسند المتَّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله -المذكور أول الكتاب- قال:

2 - (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: أنبأنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذَرُونِي مَا تركْتكُمْ، فَإِنَّما هَلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكمْ بسُؤَالهِمْ، وَاختِلَافِهِمْ عَلَى أنبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أمرتكمْ بِشيءٍ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نهَيْتكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا").

رجال هذا الإسناد: خمسة، وقد تقدّموا غير:

1 - (محمد بن الصبّاح) بن سفيان بن أبي سفيان الجْرْجَرَائيّ، أبي جعفر التاجر مولى عمر بن عبد العزيز، صدوقٌ [10].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015