فأردت أن أوضح للناس أصل ذلك، وأبين بطلانه، وأنه من أعظم المهالك.
فاعلموا رحمكم الله أن من أنكر كون حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، قولا كان أو فعلًا بشرطه المعروف في الأصول حجةً كفر، وخرج عن دائرة الإسلام، وحُشر مع اليهود والنصارى، أو مع من شاء الله من فِرَق الكفرة. روى الإمام الشافعي -رضي الله عنه- يوما حديثا، وقال: إنه صحيح، فقال له قائل: أتقول به يا أبا عبد الله، فاضطرب، وقال، يا هذا أرأيتني نصرانيا؟ أرأيتني خارجا من كنيسة؟ أرأيت في وسطي زُنَّارًا، أروي حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أقول به.
وأصل هذا الرأي الفاسد أن الزنادقة، وطائفة من غلاة الرافضة، ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة، والاقتصار على القرآن، وهم في ذلك مختلفوا القاصد: فمنهم من كان يعتقد أن النبوة لعلي، وأن جبريل عليه السلام أخطأ في نزوله إلى سيد المرسلين، -صلى الله عليه وسلم-، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ومنهم من أقر للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالنبوة، ولكن قال: إن الخلافة كانت حقا لعلي، فلما عَدَل بها الصحابة عنه إلى أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، قال هؤلاء المخذولون -لعنهم الله-: كَفَرُوا، حيث جاروا، وعدلوا بالحق عن مستحقه، وكَفَّروا -لعنهم الله- عليا -رضي الله عنه- أيضًا؟ لعدم طلبه حقه، فبنوا على ذلك رَدَّ الأحاديث كلها؛ لأنها عندهم بزعمهم من رواية قوم كفار، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وهذه آراء ما كنتُ أستحل حكايتها، لولا ما دعت إليه الضرورة من بيان أصل هذا المذهب الفاسد، الذي كان الناس في راحة منه من أعصار. وقد كان أهل هذا الرأي موجودين بكثرة في زمن الأئمة الأربعة، فمن بعدهم، وتصدى الأئمة الأربعة، وأصحابهم في دروسهم، ومناظراتهم، وتصانيفهم للرد عليهم، وسأسوق إن شاء الله تعالى جملة من ذلك. والله الموفق (?).