3 - (ومنها): أن الأولى بالماء الجاري هو الأول، فالأول حتى يستوفي حاجته. قال القرطبيّ: وهذا ما لم يكن أصله ملكًا للأسفل، مختصّا به، فليس للأعلى أن يشرب منه شيئًا، وإن كان يمرّ عليه.

4 - (ومنها): أن من سبق إلى شيء من مياه الأودية والسيول التي لا تُملَك، فهو أحق به، لكن ليس له إذا استغنى أن يَحبِس الماء عن الذي يليه.

5 - (ومنها): الصفح والعفو عن جفاء الخصوم، ما لم يؤدّ إلى هتك حرمة الشرع، والاستهانة بأحكامه، فإن أدّى إلى ذلك أُدّب المرتكب، وهذا هو الذي صدر من خصم الزبير، فقد آذى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه لم يقتله؛ لعظيم حلمه، وكريم صفحه؛ امتثالًا لأمر الله عز وجل له بقوله: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85]، وقوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، ولئلا يكون قتله منفّرًا لغيره عن الدخول في دين الإسلام. قال القرطبي رحمه الله تعالى في "المفهم": فلو صدر اليوم مثل هذا من أحد في حقّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لقُتل قِتْلَةَ زنديق. انتهى (?).

وقال النوويّ رحمه الله تعالى في "شرح مسلم": قال العلماء: فلو صدر مثل هذا الكلام الذي تكلم به الأنصاري اليوم من إنسان، من نسبته -صلى الله عليه وسلم- إلى هوى، كان كفرًا، وجرت على قائله أحكام المرتدين، فيجب قتله بشرطه، قالوا: وإنما تركه النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنه كان في أول الإسلام يتألف الناس، ويَدْفَع بالتي هي أحسن، ويصبر على أذى المنافقين، ومن في قلبه مرض، ويقول: يَسِّرُوا ولا تُعَسِّروا، وبَشِّروا ولا تنفروا"، ويقول: "لا يتحدث الناس أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- يقتل أصحابه"، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 13]. انتهى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015