عن شوائب المطامع، والأغراض الدنيويّة، وما كان كذلك لا يتأثّر عن الحقد والحَسَد.

[وثانيها]: أن أداء السنن إلى المسلمين نصيحةٌ لهم، وهي من وظائف الأنبياء -عليهم السلام-، فمن تعرّض لذلك، وقام به كان خليفةً لمن يبلَّغُ عنه، وكما لا يليق بالأنبياء -عليهم السلام- أن يُهملوا أعاديهم، ولا ينصحوهم، لا يَحْسُنُ من حامل الأخبار، وناقل السنن أن يَمنحها صديقه، ويمنعها عدوّه.

[وثالثها]: أن التناقل، ونشر الأحاديث إنما يكون غالبًا بين الجماعات، فَحَثَّ على لزومها، ومَنَعَ عن التأبّي عنها؛ لحقد وضَغِينةٍ يكون بينه وبين حاضريها ببيان ما فيها من الفائدة العُظمَى، وهي إحاطة دعائهم من ورائهم، فيَحْرُسُهم عن مكائد الشيطان وتسويله. انتهى.

قال الطيبيّ -رحمه الله تعالى-بعد نقله لكلام البيضاويّ المذكور-: وأقول: يمكن أن يقال -والله أعلم-: إن قوله: "ثلاث" استئناف، وهي المقالة التي استوصى في حقّها أن يبلغ عنه، والكلام السابق كالتوطئة، والتمهيد لها؛ اعتناءً بشأنها، والْعَضِّ عليها بالنواجذ، كأنّ قائلًا لمّا سَمِع تلك التوصية البليغة اتّجّهَ له أن يقول: ما تلك المقالة التي استوجبت ذلك الدعاء المرغِّب في أداء ما سمع؟.

فأُجيب "هنّ ثلاثٌ"، وإنما استوجبت هذه التوصيةَ البليغةَ؛ لأنها جمعت بين التعظيم لأمر الله تعالى، فإن إخلاص العمل هي مقدّمة مطلوبة في كلّ أعمال صالحة، وبين الشفقة على خلق الله تعالى، من النصيحة لهم، إن كان فوقهم، ومن التبرّك بدعائهم، والانخراط في سلكهم، وأداء حقوقهم إن كان دونهم، ولعلّ رواية "يُغِلُّ" -بالضمّ من الإغلال يقال: غَلّ شيئًا من المغنم غُلُولًا، وأغلّ إغلالًا: إذا أخذه في خفية- أرجح؛ لأن الخيانة في إخلاص العمل هي رؤية الغير، قال الله تعالى: {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وفي حقّ المسلمين ترك نصيحتهم، وإرادة الخير لهم، فإن النصيحة حقّ لهم عليه، فإذا تركها خانهم، وفي حقّ نفسه أن يَحرِمها من تركه دعاء المؤمنين، وإخراجه من زمرتهم، فيكون كالغنم القاصية عن القطيع،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015