والطبقة الأولى من الملائكة، وذكره لهم عندهم للمباهاة بهم، يقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء يذكروني، ويتدارسون كتابي، ونحو ذلك، وقال القرطبيّ: يعني في الملإ الكريم من الملائكة المقرّبين، كما قال: "إن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم"، متّفق عليه (وَمَنْ أبْطَأَ) من الإبطاء، وفي رواية مسلم: "ومن بطّأ" بتشديد الطاء، من التبطة، ضدّ التعجيل.
قال الطيبيّ: هذا أيضًا تذييل بمعنى التعظيم لأمر الله، فالواو فيه، وفي قوله: "والله في عون العبد" استئنافيّة، وبقية الواوات عاطفة (بِهِ) الباء للتعدية، أي من أخّره عن بلوغ درجة السعادة في الآخرة (عَمَلُهُ) السيء، أو تفريطه في العمل الصالح في الدنيا (لم يُسرِعْ) بضم أوله، من الإسراع، أي لم يقدّمه (بِهِ نَسَبُهُ) أي لم ينفعه في الآخرة شرف نسبه، فإن العمل الصالح هو الذي يرفع العبد إلى الدرجات العلى في الآخرة، فمن لم ترفعه أعماله إليها، لم تنفعه أنسابه، فتُبْلِغَه إليها؛ لأن الله تعالى رتّب الجزاء على الأعمال، لا على الأنساب، قال -عز وجل-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
وقال القرطبيّ: يعني أن الآخرة لا ينفع فيها إلا تقوى الله تعالى، والعمل الصالح، لا الفخر الراجح، ولا النسب الواضح (?).
وقال النووي: معناه: من كان عمله ناقصًا لم يُلحقه نسبه بمرتبة أصحاب الأعمال، فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب، وفضيلة الآباء، ويقصر في العمل. انتهى (?).
[فإن قلت]: هذا ينافي قوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} الآية [الطور: 21]، فإنه يدل على أن النسب ينفع.