مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]، ولهذا قال الخليل في تمام الكلام: {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 78، 79] بَيّن أنه إنما يعبد الله وحده، فله يوجه وجهه إذا توجه قصده إليه، يتبع قصده وجهه، فالوجه توجه حيث توجه القلب، فصار قلبه وقصده ووجهه متوجهًا إلى الله تعالى، ولهذا قال: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} لم يذكر أنه أقر بوجود الصانع، فإن هذا كان معلومًا عند قومه، لم يكونوا ينازعونه في وجود فاطر السموات والأرض، وإنما كان النزاع في عبادة غير الله، واتخاذه ربّا، فكانوا يعبدون الكواكب السماوية، ويتخذون لها أصناما أرضية، وهذا النوع الثاني من الشرك، فإن الشرك في قوم كان أصله من عبادة الصالحين، أهل القبور، ثم صوروا تماثيلهم، فكان شركهم بأهل الأرض، إذ كان الشيطان إنما يضل الناس بحسب الإمكان، فكان ترتيبه أوّلا الشرك بالصالحين أيسر عليه، ثم قوم إبراهيم انتقلوا إلى الشرك بالسماويات بالكواكب، وصنعوا لها الأصنام بحسب ما رأوه من طبائعها، يصنعون لكل كوكب طعامًا وخاتمًا وبخورًا، وأموالًا تناسبه، وهذا كان قد اشتهر على عهد إبراهيم - عليه السلام - إمام الحنفاء، ولهذا قال الخليل: {مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 85 - 87]، وقال لهم: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 95، 96]، وقصة إبراهيم قد ذُكرت في غير موضع من القرآن مع قومه، إنما فيها نهيهم عن الشرك، خلاف قصة موسى مع فرعون، فإنها ظاهرة في أن فرعون كان مظهرًا الإنكار للخالق، وجحوده.
وقد ذكر الله عن إبراهيم أنه حاجّ الذي حاجه في ربه، في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ في رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ