ممكن له فقد جَوَّزتم دوام كونه فاعلًا، وأنه قادر على حوادث لا نهاية لها، وإن قلتم: بل كان ممتنعًا، قيل: القدرة على الممتنع مع كون الفعل ممتنعًا غير ممكن، لا يكون مقدورًا للقادر، إنما المقدور هو المكن، لا الممتنع، فإذا قلتم: أمكنه بعد ذلك فقد قلتم: إنه أمكنه أن يفعل بعد أن كان لا يمكنه أن يفعل، وهذا صريح في أنه صار قادرًا بعد أن لم يكن، وهو صريح في التغير، فهؤلاء النفاة الذين قالوا: إن المثبتة يلزمهم القول بأنه تغير، قد بان بطلان قولهم، وأنهم هم الذين قالوا بما يوجب تغيره.
[الحجة الرابعة]: قالوا: حلول الحوادث به أفول، والخليل قد قال: {لا أحب الآفلين}، والآفل: هو المتحرك الذي تقوم به الحوادث، فيكون الخليل قد نفى المحبة عمن تقوم به الحوادث، فلا يكون إلهًا، وإذا قال المنازع: أنا أريد بكونه تغير، أنه تكلم بمشيئته وقدرته، وأنه يحب منا الطاعة، ويفرح بتوبة التائب، ويأتي يوم القيامة، قيل: فهب أنك سميت هذا تغيرا، فَلِمَ قلت: إن هذا ممتنع، فهذا محل النزاع كما قال الرازيّ: فالمقدم هو الثاني.
فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الله يوصف بالغيرة، وهي مشتقة من التغير، فقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "لا أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته"، وقال أيضًا: "لا أحد أحب إليه المدح من الله، من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الرسل، وأنزل الكتب، ولا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حَرَّم الفواحش، ما ظهر منها، وما بطن"، وقال: "أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني".
والجواب: أن قصة الخليل - عليه السلام - حجة عليهم، لا لهم، وهم المخالفون لإبراهيم، ولنبينا ولغيرهما من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وذلك أن الله تعالى قال: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا