وهذا الأصل عليه قول السلف، وأهل السنة أنه لم يزل متكلمًا إذا شاء، ولم يزل قادرًا، ولم يزل موصوفًا بصفات الكمال، ولا يزال كذلك، فلا يكون متغيرًا، وهذا معنى قول من يقول: يا من يُغَيِّر ولا يَتَغَيَّر، فإنه يُحيل صفات المخلوقات، ويسلبها ما كانت متصفة به إذا شاء، ويعطيها من صفة الكمال ما لم يكن لها، وكماله من لوازم ذاته، لم يزل ولا يزال موصوفًا بصفات الكمال، قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27]، ولكن هؤلاء النفاة هم الذين يلزمهم أن يكون قد تَغَيَّر، فإنهم يقولون: كان في الأزل لا يمكنه أن يقول شيئًا، ولا يتكلم بمشيئته وقدرته، وكان ذلك ممتنعًا عليه لا يتمكن منه، ثم صار الفعل ممكنًا يمكنه أن يفعل، ولهم في الكلام قولان: من يثبت الكلام المعروف، وقال: إنه يتكلم بمشيئته وقدرته، قال: إنه صار الكلام ممكنًا له بعد أن كان ممتنعًا عليه، ومن لم يصفه بالكلام المعروف، بل قال: إنه يتكلم بلا مشيئة وقدرة، كما تقوله الكلابية، فهؤلاء أثبتوا كلامًا لا يُعقَل، ولم يسبقهم إليه أحد من المسلمين، بل كان المسلمون قبلهم على قولين:
فالسلف، وأهل السنة يقولون: إنه يتكلم بمشيئته وقدرته، وكلامه غير مخلوق، والجهمية يقولون: إنه مخلوق بقدرته ومشيئته، فقال هؤلاء: بل يتكلم بلا مشيئته وقدرته، وكلامه شيء واحد، لازم لذاته، وهو حروف، أو حروف وأصوات أزلية، لازمة لذاته، كما قد بُسط في غير هذا الموضع.
والمقصود أن هؤلاء كلهم الذين يمنعون أن الرب لم يزل يمكنه أن يفعل ما شاء، ويقولون: ذلك يستلزم وجود حوادث لا تتناهى، وذلك محال، فهؤلاء يقولون: صار الفعل ممكنًا له بعد أن كان ممتنعًا عليه، وحقيقة قولهم أنه صار قادرًا بعد أن لم يكن قادرًا، وهذا حقيقة التغير، مع أنه لم يحدث سبب يوجب كونه قادرًا.
وإذا قالوا: هو في الأزل كان قادرًا على ما لا يزال، قيل: هذا جمع بين النفي والإثبات، فهو في الأزل كان قادرًا، أفكان القول ممكنًا له، أو ممتنعًا عليه، إن قلتم: